كتب: جواد بولس
نشرت بعض المواقع الإسرائيلية ووسائل التواصل الاجتماعي دعوة لحضور المؤتمر التأسيسي الأول لحزب سيحمل اسم " كل مواطنيها". برز في نص الدعوة الشعار المركزي للحزب الجديد ويقول "شراكة الآن"، ثم تبعته قائمة أسماء بعض المشاركين المركزيين في الاحتفال، حيث ورد اسم رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي سامي أبو شحادة بينهم الى جانب شخصيات يهودية صهيونية معروفة أمثال أبراهم بورغ (رئيس سابق للكنيست الاسرائيلي والوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية) وموسي راز وجابي لاسكي (نائبين سابقين عن حزب ميرتس في الكنيست الاسرائيلي) والجنرال احتياط في الجيش الاسرائيلي عميرام ليفين، ومعهم أيضًا شخصيات عامة عربية ومعروفة مثل البرفيسور فيصل عزايزة والصحفي والكاتب عودة بشارات والسيدة أميمة حامد (ميرتس). من الواضح ان المضامين السياسية التي يعتمدها المبادرون كأسس لاقامة حزب "كل مواطنيها" ستمثل من يختار ان ينضم الى صفوفه فقط.
من المفترض أن تستدرج مشاركة النائب التجمعي السابق سامي أبو شحادة في هذا المؤتمر، المنعقد اليوم في مدينة تل ابيب، اهتمام العاملين في الشؤون السياسية بين المواطنين العرب والمحزّبين، وبين شرائح المثقفين وقادة منظمات المجتمع المدني، لا سيما تلك التي تعمل في مجالات الدراسات والابحاث وانتاج المعرفة السياسية والاجتماعية على أنواعها. ولكن يبدو أن جميع هؤلاء ليسوا "معنيين" بالتطرق إلى هذه المسألة ولا حتى لملامستها بشكل مهني وموضوعي ؛ وإن سألناهم عن عزوفهم هذا سنجد أن لكل فصيل منهم ذرائعه وعند كل شريحة دواعيها.
ما نشاهده اليوم يؤكد أننا، نحن المواطنين العرب في اسرائيل، نعاني من تفشي ظاهرة مزمنة يصح أن نطلق عليها آفة "خرس القيادات السياسية والنخب الاجتماعية". تنتشر هذه الظاهرة بيننا منذ زمن طويل، ومن الجدير أن نتناولها في المستقبل بشكل أعمق؛ فمخاطرها علينا كانت جسيمة لأنها، في بعض تحوّراتها اللافتة، دفعت المصابين بها الى ممارسة أدوار من الرياء الاجتماعي المعدي أو التأتأة أمام ظواهر العنف المستشري، أو النكوص أمام ممارسات الاكراه الديني وسطوة التقاليد المستبدة في حق النساء والفئات المستضعفة، بينما جعلتهم في محطات سياسية مفصلية يكيلون بأكثر من مكيال ويتصرفون بمداهنة مؤسفة وصلت أحيانًا حدّ التواطؤ مع أحداث غير عادية جرت داخل عدة مؤسسات واحزاب، وبضمنها كانت محطات في تاريخ حزب التجمع نفسه.
وعلى الرغم من حالة التغاضي الشائعة الموصوفة أعلاه، وجدنا أن فئة صغيرة قد خرجت عن مألوف الساعة وكتبت عن الحدث وعن ارتداداته المحتملة على حزب التجمع تحديدًا وداخل الفضاءات السياسية بشكل عام ؛ لقد كان معظم من كتبوا حول هذه الدعوة من مؤيّدي ونشطاء حزب التجمع الديمقراطي ومناصرين، من الوريد الى الوريد، لزعامة رئيسهم سامي ابو شحادة، فواجهوه بانتقاداتهم، بعد أن فوجئوا بادراج اسمه، بدون سابق انذار، في الدعوة المذكورة، وطالبوه بعدم المشاركة في المؤتمر، وبضرورة اعطائهم المبررات التي دعته للاقدام على خطوة، تتعارض بشكل قاطع مع معتقداتهم السياسية وموقف حزبهم التاريخي القاضي بتحريم اللقاءات والتحالف مع اجسام سياسية وشخصيات معروفة بتاريخها وحاضرها الصهيونيين والعسكريين؛ وقد طالبه بعضهم بالاعتذار عن فعلته ونوّهوا، من باب الاستنكار طبعًا، في حالة انعقاد المؤتمر بحضوره، الى ضرورة تقديم الاعتذار من الجبهة الديمقراطية للسلام وغيرها من الحركات والاحزاب السياسية التي نادت بضرورة العمل مع جهات يهودية تقدمية، واذا اقتضت الحاجة في بعض المواقع مع جهات صهيونية يسارية.
قرأت ما أتيح لي من تعقيبات نشرت على أثر انتشار صيغة الدعوة، واتفهم غضب قلة من أنصار الحزب الذين بعد مقاطعتهم للانتخابات في الجولات السابقة عادوا، على شكل فزعة قبلية، للتصويت لحزب التجمع لأنهم آمنوا بتميّز شخصية سامي أبو شحادة الوطنية وأمانته السياسية وصدقه الحزبي ودفئه الاجتماعي ونجوميته الطبيعية؛ فصدمة هذه الفئة مبررة ودهشتهم من خطوة ابو شحادة مستوعبة، خاصة وأنهم لا يرون أي موجب سياسي جديد يستدعي مشاركة قائد حزبهم الوطني نشاطًا سياسيًا حزبيًا اسرائيليًا بارزًا، حتى لو دعي اليه تحت يافطة كبار الضيوف وحسب.
لست من مصوتي حزب التجمع، وقد اعترضت دومًا على مزايدات بعض من نشطائه بخصوص مسألة الوطنية واحتكارهم لها ؛ لقد كان ذلك قبل الاعلان عن مشاركة سامي ابو شحادة في مؤتمر حزب " كل مواطنيها"، وسيبقى كذلك بعد انتهاء ذلك المؤتمر، سواء شارك فيه ابو شحادة أو قاطعه في النهاية. فأنا لا أعرف كيف ستتفاعل مؤسسات حزب التجمع مع هذه المحطة المحرجة التي اوقفهم عندها قائدهم، خاصة بعد أن قرأنا في المواقع بيانًا مقتضبًا عن مصادر في حزب التجمع يفيد "على ان المشاركة في هذا المؤتمر تمثل سامي ابو شحادة ولا تمثل حزب التجمع الوطني الديمقراطي". لا يمكننا الا ان نستهجن هذا الموقف، اذا كان هذا فعلا هو موقف الحزب الرسمي، ونعدّه كواحد من تلك البيانات الزئبقية المتّسمة بديماغوغية واضحة وبتهرّب من الواقع والحقيقة؛ عدا عن كونه، طبعًا، إهانة صارخة بحق قائد حزبهم ونجمه، وباعث الروح في عظامه، كما رأينا في معركة الانتخابات الاخيرة.
من الواضح أن خطوة سامي أبو شحادة اللافتة قد أثارت، على جبهات مختلفة، أسئلة كثيرة، وأحرجت لا مؤسسات حزبه ونشطائه وصمت مثقفيه وحسب، بل نجحت، حتى عن غير قصد، باظهار هشاشة موقف الجبهة الديموقراطية وضعفها وغيابها عن ساحة النضال المشترك مع قوى يهودية.فرغم مرور الوقت منذ انتهاء المعركة الانتخابية، لم تبادر الجبهة لأي فعل سياسي جبهوي جامع جدي يستهدف مواجهة الواقع السياسي الاسرائيلي الخطير المتشكل امام اعيننا وفي مواقعنا. سوف نسمع منهم عن ضرورة الانتظار الى أن تلتئم مؤسسات الجبهة كي تجري تقييمها ولتتخذ القرارات المناسبة بشأن المستقبل؛ إنه الادعاء ذاته الذي نسمعه منذ اكثر من عشرين عامًا.
ما زالت تفاصيل غامضة كثيرة حيال ما سبق اتخاذ سامي ابو شحادة قراره بالمشاركة في مؤتمر سيعلن فيه عن تأسيس حزب يهودي صهيوني عربي جديد؛ فهل يعقل أن يكون قد أقدم على خطوته من دون أن يستأنس برأي بعض من رفاقه وأن يتسلح بموافقة بعضهم على الاقل؟ وإن كان لديه شركاء في هذا القرار، فهل يمكننا أن نفترض أن حزب التجمع مقبل على امكانية الانقسام؟ أو هل من الجائز أن يكون البعض قد دعم قرار سامي بالمشاركة كي "يحرقه" ويخسر مكانته كالقائد الوطني المجمع عليه والنجم الساطع في سماء مظلمة.
لقد تمنى بعض اصدقاء سامي ابو شحاده عليه التريث قبل ان يستمر في خطوته المعلنة، فليس هكذا، حسب رأيهم، يقفز القائد الحكيم في فضاءات السياسة الملتبسة ؛ وبعض آخر من رفاقه أعلنوا دعمهم القاطع لقراره. لقد تحدث الفريقان باسم السياسة وسبل ممارستها واقرّا ان لها الغلبة في واقعنا، لأننا نقف على فوهة بركان. وضدهما وقف رهط يؤمن أن الغلبة يجب أن تكون للمبادىء الايديولوجية، فهي أمّ جميع النهايات وسيدة كل السياسات. وأما أنا فأقف حيث وقفت دومًا وأسأل أين كان بعض هؤلاء حين امتهنوا الصمت حرفة والمزايدات دروب راحة وهدأة بال وطنية.
لا اكتب كي أسائل سامي ابو شحادة بخصوص قراره المذكور، ولا كي امتدحه؛ فنحن بصدد خطوة لا يمكن تحميلها أكثر مما تحمله، والأمور تقاس دومًا بخواتيمها. ولكن، بالرغم من كل ذلك، علينا أن نشعر بجرأة القائد المختلف الذي يستبطنها قرار سامي ابو شحادة. أتمنى أن أكون صائبًا، وأنه مع قادة آخرين، من التجمع وغيره، يعيدون ويدققون حساباتهم بعد انتهاء معركة فاصلة؛ ويقيّمون تداعياتها الواضحة عساهم يهتدون الى طريق آمن لانقاذ ناسهم واهلهم من بطش بات في مرمى النظر وأقرب الى صدورهم من زفرة قدر. فنحن كمواطنين عزّل سوف ندفع، من جهة، ثمن مواقف قادة آمنوا بالسياسة ولم يتقنوا فنونها، ومن جهة اخرى، مواقف قادة آمنوا بطهارة العدالة والعقيدة ولم يستوعبوا عقمها؛ واليوم نقف جميعًا على باب جهنم ونسمع هسيس الجن.
[email protected]