كيف تحولت ألامه العربية من امه وادعه ومسالمة ومتسامحة قبل ثورات الربيع العربي الى امه عنيفة جدا , وأصبح الدم ارخص من كوب الماء , والقتل تحول الى مهنه كما هو في داعش وتنظيمات اخرى , والدمار والتشريد سيد الموقف .!!!
المواطن العربي الوديع في الماضي رضى بالقليل وهو سعيد به ،وفجأة انقلب الى اسد مفترس وعدو لدود ،وبركان ثائر ,والسؤال الذي يطرح نفسه , ما الذي حدث أن انقلبت الامور بهذه السرعة رأسا على عقب , ولماذا تبدو ألامه العربية مدمنة على الصراعات والاشتباكان وتنتقل من حرب الى أخرى تارة ضد اعدائها وتارة ضد ابنائها ، ألا يحتاج الامر الى نقاشه بصراحه ؟
باعتقادي ان العنف الذي اصبح شاهدا على امتنا ليس مفاجئا ولا وليد هذه المرحلة المزدحمة بالتغيرات والتحولان وإنما هو جزء من شخصيتها ومن مخزونها ألثقافي , صحيح أن العنف انحسر في الماضي ، سواء بسبب الاستبداد أو بسبب الخوف من سطوة السلطة ، وصحيح ان شعوب اخرى كالشعوب الاوروبيه في العصور الوسطى والحرب العالميه الاولى والثانية استعملت العنف في حل مشاكلها وقتلت الملايين ، لكنهم غيروا وبدلوا وتوصلوا الى نتيجة ان العنف عمل شيطاني لا يجلب إلا القتل والدمار والتخلف وتدمير الاقتصاد وتجهيل الاجيال , واستبدلوه بالحوار وأساليب سياسيه وبأساليب التحضر الذي وصلوا اليه , وركزوا جهودهم على التربيه والتعليم وبنوا اقتصادهم وهذا الشيء جلب لهم الاستقرار والسلام والرفاهية , وكلي امل أن الشعوب العربية تحذوا حذوهم في المستقبل القريب .
ان الفهم الخاطئ للدين والجهل السائد في المجتمع , وسوء الفهم ادى الى تفسيرات خاطئة ، وقراءة مغشوشة لنصوص الدين والى التعصب الذي ولد العنف الشرس وادى التدين المغلوط الى عدم اعطاء وزنا ً وقيمه للحياة ولأرواح الناس ، وفي تاريخنا الاسلامي ثمة مخزون ثقافي من العنف منذ ان رفعت المصاحف على الاسنة ، وتحول الاخوة الى اعداء بذريعة التقرب الى الله على طريق الحكم والسلطة.
هناك تفسيرات خاطئة مثلا لمفهوم الجهاد الذي فسروه بأنه قتال بالسيف فقط ، مع ان اصل الجهاد هو الجهاد من اجل الحياة ألكريمة وتستطيع تطبيقه على جميع مجالات الحياة , وهناك دعاوى التكفير وفتاوى ضرب الرقاب التي لم تعد مقتصرة على غير المسلمين وإنما امتدت الى المسلمين نفسهم , ولا تسأل عن الخلافات بين التيارات والجماعات الدينية وتصرفاتها التي تتنافى كليا عن ما امر به الاسلام الصحيح والتي لا زالت تتحاور بين بعضها البعض بالنار والبارود , ومن الحقل السياسي - ايضا - خرج العنف، والاستبداد الذي غطى على هذا المخزون وأوهمنا بالأمن والاستقرار , دفع الناس الى الانفجار في لحظة مفاجئه , فأخرجوا كل ما بداخلهم من تعصب وضغائن وفرّغوا طاقة العنف المحبوسة فيهم منذ قرون.
الشعوب الاوروبيه استوعب التحضر بما فيه من رفاهية وإبداع وعدالة وإنتاج وحولت مارد العنف عبر فتره من الزمن الى تعايش وتسامح وشراكة ووحده ، ونفخت فيه من روح الديمقراطية فأصبح صراعا سياسيا سلميا يضمنه القانون العادل وتحميه التقاليد المؤسسية الراسخة ، وترسخه قيمة الانسان الذي تتقدم حقوقه على كل اعتبارات.
ايضا مجال التربيه والتعليم سقط ضحية التدين الخاطئ والمشاكل السياسيه , ولنا ان تتصور ما تعلمه المناهج التعليمية ، وما يربط العلاقة بين المعلم والتلميذ ، وما تضمره ادواتنا التعليمية للقياس واكتشاف "العباقرة " من عنف مستتر، يتراكم شيئا فشيئا داخل النفوس فينتقل من التوتر الى الاضطراب حتى يصبح مارداً عنيفا لا يهاب أي شيء.
في الحقل الاجتماعي ايضا حيث انتصرت التقاليد على المفاهيم ألصحيحة يتولد العنف ويصبح مراوغا للبطولة والنخوة والشجاعة ، وتتلذذ الشخصية العربية الطفوليه بتمجيد الابطال الذين يحملون السيوف ، وتكاد لا تعرف شيئا عن النماذج الانسانية الممتدة في تاريخنا التي أسست قيم السماحة والعلم والعفو والمحبة.
إذن ، ارجوك لا تستغرب ولا تقف مندهشاً اذا طوقتك اخبار العنف من كل اتجاه ، اذا قتلت الشعوب الوديعة نفسها بنفسها ، اذا تحولت الجيوش التي انتصرت على اعدائها وحوشاً ضد شعوبها ، اذا سالت الدماء في صحارينا القاحلة انهاراً تجري ، لا تستغرب ذلك لأن لدينا مخزونا لم ينصب بعد من العنف المكبوت ، وليس لدينا من يجرؤ على الاشارة - مجرد الاشارة - للسؤال المحرج وه : من أي مخزون خرج كل هذا العنف , وكيف يمكن أن نجففه؟
[email protected]