لا ادري لماذا الصمت سيد الموقف والسكوت مخيم على ألامه العربية كلها على ما يجري في بلاد العرب ، ولا أجد تفسيرا لهذا الصمت ، واليأس والإحباط المسيطر ومخيم عليها , وما أخشاه ان كل ما يحدث من تجاوزات ، وكل ما يواجه ألامه من تحديات ، سواء أكانت داخلية أو خارجية ، يمكن أن نفهمها ، إلا ان انكماش المجتمع العربي او عدم قدرته على الحركة والرد ، سيجعله ضحية وفريسة سهلة لأي خطر قادم .
للأسف ، تتعدد انواع الاخطار التي تهدد ألامه العربية ، لكن لم نسمع حتى الان صوت المجتمع ، وأحيانا نكاد نتلمس صوته المنخفض ، وإن كان غير كاف , إلا انه يعبر عن حالة الانحباس التي يعاني منها المجتمع العربي ، بعد أن انسدت أمامه أبواب التغيير ،و التعبير الحقيقي ايضا ، وأصبح غير قادر على فهم ما يحدث حوله أو ما يرسم له أو ما يطلب منه , أو يخطط له , لا يعقل أن ثلاثة مئة مليون عربي صامتون على ما يجري من ارهاب داعش ولا حراك لهم .
يكفي فقط أن يصحو المجتمع العربي على مصائب التطرف من جماعات ارهابيه كداعش وغيرها من جماعات متطرفة ، لكن ما حدث في مؤسسات المجتمع ، وفي مقدمتها المسؤولة عن المجال الديني ، انها اغلقت آذانها وكأنها غير مسؤولة عن مجموعات الشباب العربي التي تندفع نحو تنظيم داعش وأخواتها ، أو غير معنية بملء الفراغ الذي سمح لأفكار هؤلاء الحمقى بالانتشار بين الشباب وكأن داعش كائنات فضائية لم تحتل نصف العراق، ولم تتحول في سوريا الى قوة ضاربة أو في لبنان و ليبيا و غيرهما الى لاعب يمارس هواية القتل في أي ملعب يختاره .
ما تشهده عدة مجتمعات عربية منذ السنوات العشر الماضية وبخاصة في مرحلة غياب السلطة المركزية ما بعد “الربيع العربي” هو حالة انتحار جماعية غير مسبوقة في التاريخ ، حيث يتجه مجتمع كامل بكافة مكوناته نحو الانتحار الذاتي عن طريق التفتت والانقسام إلى تكتلات طائفية وعرقية ودينية وحزبية وجغرافية. انتحار المجتمعات العربية وخاصة في العراق وسوريا ولبيا واليمن والصومال والذي نشاهده بمنتهى الألم حاليا هو بمثابة تحقيق لكل ما كتب عنه أمين معلوف في كتابه “الهويات القاتلة” والذي ركز فيه على نشوء الهويات الفرعية في المجتمعات والتي تزداد تعصبا وكرها وحقدا للآخر إلى درجة تدمير الذات.
لم تعد في العراق وسوريا وليبيا دول ولا أنظمة ولا هويات وطنية بالرغم من أن هذه الدول هي أكثر الكيانات العربية رفعا لشعارات القومية منذ الانقلابات العسكرية الدموية التي شهدتها في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. الشعارات القومية التي استخدمتها العصابات الحاكمة في قمع شعوبها لم تحقق اي رسوخ في الذهنية الجماعية للشعب بل ربما تسببت في الانغلاق على الهويات الفرعية الرافضة لكل القمع والتسلط الذي مارسته الأنظمة باسم القومية. في نهاية الأمر أصبح الخلل موجودا داخل المجتمعات نفسها .تهجير المسيحيين واليزيديين من المحافظات السنية في العراق هو أكبر دليل على انتحار المجتمعات أخلاقيا ووطنيا. القضية ليست داعش فقط بل البيئة الحاضنة التي ساهمت في تقوية داعش. المشكلة الأخطر هي السكوت والرضا الذي أظهرته المكونات الاجتماعية في الموصل ومواقع أخرى في العراق لعملية تهجير المسيحيين واليزيديين وملاحقتهم. عندما يتحول الجار الذي كان لسنوات صديقا إلى عدو لمجرد الاختلاف في الطائفة والدين فهذا أول وأكبر مؤشر على دمار المجتمعات. في سوريا كان الوضع مشابها ، فعلى خطوط التماس في المواجهات العلوية-السنية-الدرزية-الكردية-المسيحية تحول الجيران بسرعة إلى أعداء مستعدين لقتل بعضهم بعضا لأنهم كل منهم تدثر برضاه أو رغما عنه برداء طائفته لعله يحميه من الجار/العدو فلم يعد أحد يأمن على نفسه من الآخر. لبنان مر بهذه التجربة في الحرب الأهلية ولا زالت الشكوك موجودة بعد أنهر الدم التي سفكت والتحالفات التي تكونت وتفككت ، ولكن في العراق وسوريا وليبيا قد تصبح الأمور أكثر سوءا.
المعادلة بسيطة إلى حد الفجيعة , في كل مساحة جغرافية في العالم العربي تغيب فيها السلطة المركزية تظهر أسوأ المجموعات أخلاقا وسلوكا وتسيطر على الأرض وهي تمارس القتل والدمار. بغض النظر عن الشعارات الدينية والطائفية والقومية التي يتم رفعها فإن أمراء الحرب واللصوص والقتلة هم الذين يتحكمون بحياة المواطنين الآمنين والملتزمين ويدفعونهم للهجرة أو يدمرون حياتهم. في كل مسارات الإصلاح والتغيير في العالم العربي من الحماقة رفع السلاح كوسيلة للإصلاح لأن النتيجة ستكون دول مفككة ومجتمعات منتحرة ومساحات من العذاب والدماء والدموع .
حين يفقد المجتمع قدرته على الرد و يستغرق في آلامه وأحزانه ، ويعجز عن الحركة و عن مجرد الكلام ، وينام ضميره أو ينحرف عن مساره الطبيعي ، فمن واجبنا جميعا أن نتحسس رؤوسنا ، وأن نقف مذعورين أمام ما يمثله ذلك من خطر ، فالمجتمع لا يصل الى هذه الدرجة من الاحباط إلا اذا أحس بأن ما يجري أكبر من إمكانياته على المواجهة ، وبأن ما يمكن ان يستدركه فات وقته ، و بالتالي فإن خيار الانتظار أجدى من خيار الانتحار
لا نحتاج الى عقل ثاقب حتى نرى ما حولنا وما يمكن ان يمتد الينا وما حدث لغيرنا ، يكفي ان ندقق في صورة داعش وأخواتها في الخارج و في الداخل لنكتشف بأن قدرتنا على مواجهة ذلك يعتمد على مناعة مجتمعنا و صلابة عوده ، و على ما لديه من امكانيات وأدوات ، فإذا كانت مناعته مفقودة ، وإمكانياته وإرادته مسلوبة ، فليس أمامنا الى ان نصرخ بأعلى صوتنا من أجل انقاذه و تغيير صورته وإعادة العافية اليه.
[email protected]