يعيش المرء مغتربا في وطنه ، حينما يشعر ان مستقبله بات مجهول
اغتراب الذات هو ان تسكن بروحك وجسدك في وطنك ، ولكنك تشعر بأنك غريب ، لا فرق يذكر في الأيام والليالي التي تمرُّ من عمرك ، تتكسر طموحاتك على عتبات مستنقعات الظلم وتذهب أحلامك الجميلة سدى بين موازين متهشمة ، هذا وضع يرفع مقام أقوام تافهين وساقطين ، وتخفض أقدار كرام باعوا الدنيا ولم يبالوا ، ما أقسى ان ترى شعبك يذيح كالنعاج ، وأنت تنتظر رحمات السماء واستجابة دعاء الصالحين أن تنفرج الامور ويتغير الحال بأحسن حال , أنظر الى الغرب فأرى العدل والأمان ولقمة العيش والكرامة الانسانية وتقدير الكيان البشري واحترام القوانين وعندها لم يغب عن مخيلتي ذلك المشهد وأنا أراقب ما يحدث في امتي من صراع ونهب للثروات وضياع للأولويات وتراجع على مختلف الأصعدة.
هناك من شد الرحال مهاجرا من وطنه نتيجة الظلم والقتل والإجحاف الذي يحصل في دولنا العربية الى أرض الله الواسعة ، باحثا عن تحقيق ذاته علميا وفكريا وتجاريا ، وثمة من هرب على استحياء في "هجرة متقطعة " مبتعدا عن أسواق الشعارات والصراخ والجدل والفضائح ، وعلى هذه البقعة الطيبة يعيش ألوف من المواطنين ، تلفهم غربة الذات ، وتتلاطم في أنفسهم أمواج اليأس والرجاء ، فقدوا - أو أوشكوا - الثقة في كل الأطراف المتحكمة بالمشهد السياسي ، سواء أكانوا معارضة أم نوابا أم رجال دين ، وما أشد على المرء بلاءً من ان يكون غريبا في داره وبين أهله.
يغترب الانسان في وطنه عندما يصبح المتنفذون أقوى من القوانين ، ويصبح المرء منعزلا عن مجتمعه حينما تتكسر قيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص ، ويهيم الناس على وجوههم حائرين لحظة سيادة المحسوبيات والواسطات والمصالح البشعة ، وتختل معادلة الانتماء والولاء والمواطنة اذا أسند الأمر الى غير أهله ، وأفسحت المجالس والمناصب لأسخف خلق الله وأغباهم ، ويجتاح اليأس عقول البشر فور غياب الأخلاق والفضائل.
أخيرا : عش غريبا في موطنك ، فحياة الشرفاء خير من لهو الفاسدين وضجيجهم.
[email protected]