أردت أن أكتب عن ضرورة الحوار بين الاديان وحضارات الشرق والغرب وعن سياسة الاستغلال والاستعلاء للغرب التي أدت الى الحرب العالمية الاولى والثانية في القرن الماضي وما خلفته هذه الحروب من قتل الملايين من بني البشر وكوارث وخراب ودمار وكذلك مطالبة الغرب بالكف من التدخل في الشؤون العربية وعن حياكة المؤامرات والتحريض ضد العرب , فقلت لنفسي الاولى أن أكتب على الحوار بين العرب واليهود في هذه البلاد وكذلك الحوار بين الديانات الثلاثة وبالذات بعد انتشار عنف " تدفيع الثمن " من قبل العصابات اليهودية المتطرفة التي تلقى الدعم الايديولوجي والمعنوي من رجال دين يهود ورجال سياسة حسب ما ذكر في وسائل الاعلام . لان الحوار بين الاديان الثلاثة من شأنه أن يرسخ ويقوي أواصره العلاقات بين الشعبين العربي واليهودي ويحد من التطرف , ولا شك أن الحوار أفضل بكثير من خطورة الصدام , وان حصل مثل هذا الحوار قد يسهم في تخفيف حده التوتر القائم في البلاد وأتمنى أن تنضج ثمار هذا الحوار على أرض الواقع سريعا قبل فوات الاوان .
ولا شك أيضًا أننا ينبغي أن نعظم الحوار بين الأديان والثقافات بين الشعبين لما لها من أثر كبير على أبناء الشعبين ، وأن نبني ذلك على مرتكزات محددة وأسس واضحة للحوار. ومن أهم هذه الأسس :
1-تحكيم لغة العقل و رغبة جميع الأطراف في نبذ العنف والكراهية والتطرف والإرهاب ، إيمانًا بأن قضية الصراع ليس فيها رابح بشكل مطلق ، وأن عواقب الصراع والعنف والتطرف وخيمة على أبناء الشعبين ، وأنه لا بديل للعرب واليهود عن البحث في القواسم والمصالح المشتركة ، ونقاط الالتقاء لما فيه خير للجميع بعيدًا عن الحروب والصراعات والقتل والاقتتال والتخريب والتدمير.
2- السعي إلى التعارف ، وطريق الانفتاح على الثقافات الأخرى ، وليس الانغلاق المحكم الذي يؤدي بنا إلى الخوف من الآخر المجهول ، فتعميق الوعي بالآخر وثقافته ومجريات حياته يجعله بالنسبة لنا أقل غرابة ، ويجعل الحوار معه أكثر يُسرًا وأسهل مأتى وتناولا . لا بد أن نتعرف على ما لدى الآخر من قيم ومثل وثقافات ، وأن نحلل ذلك تحليلا جيدًا محايدًا ومنصفًا قبل الحكم له أو عليه ، وألا تكون لدينا أحكام وقوالب جاهزة مسبقة في الحكم على الآخرين .
3- أن تكون لدى جميع الأطراف الرغبة الحقيقية في إعلاء القيم والمصالح المشتركة وتجنب جميع مظاهر الأنانية والاستعلاء ,والأخذ بعين الاعتبار الخصوصية والوضع الخاص للمجتمع العربي في البلاد وعدم دعوة أبنائه الى التجنيد بسبب " أن دولتنا في صراع مع امتنا ", وعدم المس بالأرض والمسكن للمجتمع العربي والاعتراف بحقوقه , ولا شك أن التعالي والاستعلاء وإنكار الحقوق من طرف على الطرف ألآخر سوف يفشل هذا الحوار ويجلب ألأسى والندم ،ونحن ندعو إلى نشر ثقافة التسامح والتفاهم والسلام لصالح الشعبين .
4- التركيز على الإفادة من النافع والمفيد ، وغض الطرف عن خصوصيات الآخر الثقافية التي لا تتفق مع قيمنا وحضارتنا ، في ضوء الاحترام المتبادل بين الشعبين العربي واليهودي ، من غير أن يحاول طرف أن يفرض قيمه وأنماط حياته الخاصة على الطرف ألآخر ، بل على الجميع أن يُعلي من شأن القيم المشتركة من حرمة الدماء والأعراض والأموال والأرض والمسكن ، والحرص على الأمانة والصدق والوفاء وما أجمعت عليه الشرائع السماوية والقيم الإنسانية ، فيبحث الجميع عن المتفق عليه ، ويعذُر بعضهم بعضًا في المختلف فيه.
5 – أن يبنى الحوار بين الشعبين لا على أساس سياسة فرق تسد بين مسلمين ومسيحيين ودروز بل كلهم طرف واحد , وأن الحقوق تعطى بالتساوي لجميع المواطنين .
بقلم: الدكتور صالح نجيدات
[email protected]