أين القائمة المشتركة؟ واين لجنة المتابعة من قضية الكورونا؟ سألني صديقي واخبار تزايد اعداد المصابين في المدن والقرى العربية تصعقنا من ساعة الى ساعة. لم ينتظر اجابتي، وأردف، هلى ستصوت للقائمة المشتركة لو اعادوا انتخابات الكنيست وبقيت القائمة على حالتها اليوم؟
صحونا قبل ايام قليلة على حرب بيانات لم نشهد مثلها منذ تعرفت فضاءاتنا السياسية على لغة المودة بين الانداد، وعلى مفردات الشراكة والنضال الموحد بين الاحزاب والحركات السياسية والدينية المتنافسة والتي تؤمن بضرورة الدفاع عن حقوقها السياسية والمدنية بكل الوسائل القانونية، وفي طليعتها خوض الانتخابات للبرلمان الاسرائيلي، كحق وواجب واستحقاق تتيحه حالة مواطنتنا في الدولة؛ فيما تنكره، لاسباب سياسية ودينية بعض القوى العربية؛ وتحارب معظم الاحزاب اليمينية والدينية العنصرية الصهيونية كونه حقًا دستوريًا لمواطني الدولة العرب، على الضفة الثانية.
لقد تفاقمت الازمة الحالية عندما لم يكتف النائب عن الحركة الاسلامية الجنوبية، منصور عباس، بالرد على مقابلة ادلى بها القيادي البارز في الحزب الشيوعي الاسرائيلي عصام مخول الى قناة "مساواة"، بل اقحم، مستهزئًا، في معرض رده، اسم الحزب الشيوعي وتاريخه.
لقد اتهم القيادي الشيوعي عصام مخول النائب الاسلامي منصور عباس "بمقايضة الحقوق بالمصالح واعتماد الصفقات وفتح قنوات سرية مع قيادة الليكود ونتنياهو ومساعديه" فقام عباس بنفي التهمة ووصف المقابلة "بالاستعلائية" وأضاف أن مخول "في نهاية المطاف هو عضو في "الحزب الشيوعي الاسرائيلي" ونحن أبناء لحزب اسمها "الحركة الاسلامية" والفرق واضح.."
لم تكن تلك مجرد مساجلة عابرة بين حليفين في نفس الاطار السياسي يصارعان ضد نفس العدو ومن اجل نفس الهدف؛ ولا أظن أن هذه "المناطحة" قد انتهت، خاصة بعد ان قرأنا كيف انبرى سكرتير عام الحزب الشيوعي، عادل عامر، للدفاع عن حزبه وعن رفيقه عصام مخول ومنتقدًا عضو الكنيست منصور عباس وحركته على اختياره مهاجمة مخول بسبب انتمائه السياسي الى الحزب الشيوعي وهو يعلم علم اليقين "ان هذا هو التيار المركزي بين جماهيرنا وهو التيار الذي أرسى قواعد العمل السياسي الوطني المبني على النضال والكفاح وليس على المقايضة والمتاجرة.." وتحداه، بعد ذلك، بشكل مباشر "أن يفند الكثير من التسريبات الاعلامية التي تطرقت في السابق الى هذا الموضوع وعلاقته بنتان ايشيل وغيره من قادة الليكود". انها معركة بين نقيضين لا يجمع بينهما الا عجز اللحظة والسراب.
لم نخطيء، على ما يبدو، حين قلنا أن أفراحنا، كمواطنين عرب في اسرائيل، هي أفراح صغيرة؛ وهذه كما يعرف المجرّبون تمرّ كنسمة هاربة وتترك على الجبين لهفة وفي الخواصر نارا؛ فبعد نجاح القائمة المشتركة في انتخابات الكنيست الأخيرة وحصولها على خمسة عشر مقعدًا، توسمنا منها خيرًا، ورأينا بفوزها انعكاسًا لنضوج سياسي لافت كانت قد بَلَغته الجماهير العربية في اسرائيل، قابله "اختمار قيادي" أبدته الاحزاب والحركات السياسية التي تآلفت تحت سقفها وخاضت المعركة بروح نضالية عالية وبشراكة حقيقية استحقتا منا كل الدعم والاعجاب.
لقد كتبنا في حينه وقلنا: يوجد للقائمة المشتركة قوة سياسية ومعنوية كبيرة، ويوازيها، بطبيعة الحال، مسؤولية عظمى؛ فهل سيعرف أعضاؤها صونها كما يتوقع منهم ؟
لم يملك أحد القدرة على الإجابة على هذا التساؤل؛ ولكننا أكدنا، على ضوء تجربة القائمة الفاشلة السابقة، أن شرط بقاء القائمة موحدة يكمن، علاوة على توفر الارادة، بعدم تراجع أي مركب عن مواقفه التي قدمها عربونا للوحدة وعودته للعمل المنفرد بوحي مصالح حزبه أو حركته الضيقة أو بهدي عقيدته ومبادئه.
لقد أعطى الناخبون مئات آلاف أصواتهم للقائمة المشتركة وذلك على أمل أن يحافظ قادتها على العهدة وعلى الوعد، وليبقوا قوة موحدة في وجه حمم اليمين التي سقطت وستسقط على رؤوس جميعنا في المستقبل القريب؛ فالرهان على نوايا قطعان قوى اليمين السائبة يعادل انتحارًا، والمراوغات من اجل مكاسب وضيعة جراء حملة دعم لاخواننا، في سوريا أو في اليمن أو في لبنان، ينفرد بها حزب هنا أو حركة هناك، مثلها مثل محاولات الاقلاع بمناطيد من غبار.
لقد تخطى انجاز المشتركة تحصيلها العددي، فما حصل على ارض الواقع، كما كتبنا بعد اعلان النتيجة، هو ان الجماهير العربية اجبرت عمليًا جميع الأحزاب والحركات المنضوية تحت خيمة القائمة المشتركة ان تنأى بأنفسها وترتقي وتتغيّر مفاهيميًا وأداءً لتكون جديرة بمكانتها المشتهاة وبتكليفها كممثلة لمصالح تلك الجماهير ولتطلعاتها.
فكان على تلك القيادات اما أن تنتقل من مرحلة المراهقة السياسية والمغامرات الالعبانية الى مرحلة البلوغ والوعي بتحديات حياتنا ومواجهة الالتباس حول مستقبلنا، واما ان ترتطم نزواتها على خشب الكراسي البرلمانية البالية.
لقد ساهم كل مركب بقسطه من أجل ضمان نجاح التجربة، لكنهم لم يستمروا؛ فعاد بعضهم الى "جلده القديم" وقرّبونا مجددًا من حالة الخيبة والالتباس.
كان على الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي أن يعترفا ويقبلا بقيادة النائب ايمن عودة لتنظيمهما العريق والابرز؛ فبدون تلك النقلة، الاتفاق على وجود قائد، لن تكون الجبهة جديرة بقيادتها لصدارة القافلة، ولا ان تستعيد ثقة الناس في عدة مواقع ابتعدت عنها قصاصًا وامتعاضًا من تشتت مواقفها السابقة.
لقد خطت الجبهة خطوات جدية على هذا الطريق، الا ان وجود بعض جيوب المقاومة من بقايا الحرس القديم يضعف الجبهة داخل المشتركة ويعرقل اكتمال المهمة وينتقص من احتمال اعادة تأهيل تنظيم الجبهة وتمكينه لاستعادة دوره المعد لها تاريخيًا .
وكانت مرونة الحركة الاسلامية الجنوبية تجاه شركائها، حتى في المسائل الخلافية، دَينًا في حرج النائب منصور عباس واخوانه؛ ولكنها كانت مهمة مستحيلة؛ فكما صرح شيوخ الحركة في اكثر من قضية وموقف، لن يستطيع ممثلوها الخروج عن ثوابتها العقائدية، حتى لو كان ثمن تمسكهم تصدع وحدة القائمة المشتركة، مثلما حصل في عدة مواجهات أدت عمليًا الى بعث لغة المناكفات مع الشركاء وآخرها ما جرى مع رفاق وقادة الحزب الشيوعي.
تعتبر الجبهة الديمقراطية والحركة الاسلامية التنظيمين الاساسيين بين الناخبين العرب، والخلل في أدائيهما كاف لافشال تجربة القائمة المشتركة؛ مع ذلك فقد نضيف اليهما ضعف حزب التجمع وغياب مؤسساته وانحسار وجوده الشعبي، وعدم نجاح "الحركة العربية للتغير" باستكمال محاولات بناء مؤسساتها الحزبية الجدية والمحافظة عليها.
تصل اسرائيل، في هذه الايام، الى آخر محطات تشكل نظامها السياسي الفاشي الجديد؛ فبعد تقويض أسس الدولة الأصلية وبعد السيطرة على معظم مؤسسات ومرافق الدولة الاساسية وبعد اكتمال جاهزية انتفاضة الغوغاء النهمة، نشهد كيف تنقض كتائب "القائد الأوحد"، المهوّشة والجائعة، على كبار الموظفين الاداريين وتطاردهم أو تطردهم من معظم الوزارات والوكالات الحكومية، وذلك من أجل ازالة آخر العقبات وتأمين سيطرة الجهاز الجديد على عروق الدولة ومساماتها بالكامل .
فمن سيقف في وجه تلك الكتائب ؟ ومن سيفشل سياسات الاقتلاع والتهجير والقمع؟ ومن سينظم مجتمعاتنا العربية من جديد؟
لقد آمنا أن نجاح القائمة المشتركة كان علامة واضحة لنضوج شعبي وطني جديد وتجاوب سليم لمجسات مجتمع استشعرت الخطر وشخصته بدقة وتهيأت لمواجهته بمسؤولية وجهوزية عاليتين. وكانت ايضًا انعكاسات هامة لتذويت واع لمعنى الشراكة الجوهرية الحقة اجراه بشكل معمق كل مركب من مركبات القائمة فاستعادوا بعده وبسببه ثقة الناس التي فقدوها. فهل مازال تشخيصنا صحيحًا ؟
اخشى أننا نضيّع الفرصة مرة أخرى؛ واخشى ان هذه القائمة قد حملت بذور انشقاقها منذ ولادتها، وسيكون علينا، قريبًا، ان نفتش عن وحدة أعمق وعن وسائل نضالية بديلة ومستحدثة لكي تتواءم مع طبيعة المتغيرات الحاصلة في الدولة وفي داخل مجتمعنا. وحدة تستشرف احتمالات التجانس الاوسع والممكن في مواقف الشركاء ازاء قضية المساواة على تفرعاتها وجميع منظومات الحقوق، القومية والمدنية، التي نناضل من اجل الحصول عليها او عدم المساس بها.
يتبع..
[email protected]