سُئل أحد الحكماء: "ممّن تعلمت الحكمة؟ فقال: "من ذلك الرجل الضرير، لأنه لا يضع رجله على الأرض إلا بعد أن يختبر الطريق بعصاه ". لم أختر هذه الحكمة ذات الأبعاد الكبيرة والمتشعبة بطريق الصدفة، ولن أدخل في شرح واسع واكتفي بالقول ليتنا نتعلم من هذه العبرة المعبرة ونطبقها على أرض الواقع ونتعامل بموجبها في حياتنا اليومية، لو فعلنا لكان وضعنا أفضل بكثير.
من وجهة نظري، لا أعداء لنا ولا سياسة ونهج موجه ضدنا رغم وجود عدم المساواة وفروق واسعة في العديد من مرافق ومجالات الحياة ، بل لأننا غارقون في محيط من الهموم والمشاكل، وفي مقدمتها أنّنا أعداء أنفسنا بجهلنا مسلكنا ، تصرفنا ، طريقة معالجة مشاكلنا ومعاملتنا لبعضنا. تفكيرنا في نهج حياتنا ونمطها، قصر رؤيتنا لمجرى الأمور وتطورات الأحداث، سطحي جدًّا، منحصر على النميمة، ناهيك عن السعي وراء المظاهر والتلون والمحسوبيات والصراعات الداخلية، إضافة لتصفية الحسابات الشخصية، إذ بالكاد نستطيع أن نحدد أهدافنا، نعمل عشوائيًّا، بلا تروٍ وتخطيط مسبق، ولا نولي الناحية التربوية والثقافية عناية خاصةً، نحاول إيجاد الحوار لأنفسنا بدلاً من تغيير انفسنا، ثم نتّهم الظروف وكأننا لم نصنعها .نتكلم في جلساتنا وعلى مدار الساعة عن السفر إلى الخارج، شراء السيارات وتغيير أثاث المنزل وأي مطعم سنزور الليلة.. نفكر مطوّلا ونولي الامور السطحية والمظاهر عناية كبيرة.
نتهرب أين وكيف نحتفل هذه السنة بالعيد. حيث تميل الأغلبية للسفر إلى خارج البلاد بعيدًا عن الأهل والعائلة والجيران . ثم كيف نحتفل بعيد ابننا؟ في أي قاعة؟ وأي وجبة؟ وماذا يقدّم من هدايا؟! المهم أن يكون عيده أفضل من عيد ميلاد ابن صفه. ثم عن عرس فلان؛ عدد الحضور، ولا ننسى "التفريت" والويل ثم الويل إذا نسي أحد بدون ترحيب خاص، وشرب القهوة السادة .. كيف لا وعقد قران فلان على "الفلعوصة" فلانة، وفسخ خطوبة ابن الجيران وتحليل الدوافع والأسباب، ناهيك عن اختلاق القصص والشكوك.
حتى موسم الزيتون المبارك لا نوليه أي عناية وأهمية، فغدا نقمة لا نعمة يخلف المشاكل والتفرقة بين الإخوة...
نتهرب من الحقيقة ونبتعد عن الجوهر نسلك الترضية والتعتيم، المساندة والمساترة، ناهيك عن ظاهرة السعي وراء الرفعة والشهرة وحب المناصب التي عمت بصائر نسبة لا بأس بها من طبقات المجتمع الذين يعملون على مدار الساعة بشتى الوسائل، وكل الأساليب، يضحّون بكل قدراتهم، طاقاتهم، وأموالهم التي وصلت أحيانًا إلى بيع أراضيهم وعلى حساب أخلاقهم والتستر وراء الوطنية المزعومة البريئة من أمثالهم، كل هذا ليرفعوا راية التقدم ويصلوا إلى درجات الارتقاء وأيّ ارتقاء؟!
أسأله تعالى، أن يتقبل منّا صالح القول والعمل، وأن يكتب لنا الأجر والثواب ...
[email protected]