لم ولن اضطرّ لأجبر واحات صدري ومشاعري أن تبقى روتينيّة، ساكنة بلا حراك حتى في أصعب الظروف عندما كان جرحي عميقًا، وحمدًا لله فقد غدا في عداد المفقودين، ولن أكتم أنفاسي خوفًا من أن تنطق عبارة قد لا تروق لفلان، أو علّان. لن أضطرّ أن أبتسم بسمة مختلقة دونما حاجة لها، حين لا يسمح الموقف ولا الظروف بذلك، ولا من أجل المجاملة ومراعاة شعور ومشاعر الآخرين.
جاءت هذه المقدّمة بعد أن لفت انتباهي افتتاحيّة عدد الجمعة الماضي، لمحرر صحيفة الخبر، الزميل زياد شليوط تحت عنوان: " الأجمل من الجميل". وقد تطرّق، كعادته، إلى هذا الموضوع بكلّ مصداقيّة وشفافيّة، وبحسّ وذوق راقيين. وممّا جاء في افتتاحيته: "جميل جدًّا أن نعمل ونجتهد وتبرز وتصبح الأوّل لكن الأجمل أن تعمل بصمت، وتجتهد بقناعة وتبرز في عملك وتصبح الأوّل في تواضعك، والأجمل في ذلك أن تعلن بصمت، ودون أن توجّه النقد والملاحظات لغيرك إنْ قصّر أو تعثّر"، ثمّ يضيف قائلًا: " نعم جميل أن تعمل وأن تكون قائدا وتبني لك جيشا من العاملين الذين يطيعونك، دون نقاش، وينفذون أوامرك، دون اعتراض، ويفدون أنفسهم في سبيلك دون سؤال".
وبهذا الصدد، أقول علينا أن نكتب ونكتب دون توقّف، وأن لا ندع قلمنا يجفّ لإنقاذ الحرية وإنقاذ الصمت، وفضح كلّ عمل ومسلك سلبيّ نرصده في أيّ لحظة. نعم نقف أحيانا على بعض المحطّات مطوّلا لنقيّم مسلكًا، موقفًا، ومشهدًا، سالكين مسلك الشفافية والمصداقية وإرضاء الضمير، هادفين للنقد البناء المبنيّ على حقائق ووقائع، والالتزام بالجوهر بعيدًا عن المظهر؛ لفتح آفاق حضاريّة، وإظهار الحقّ والحقيقة، والعمل على تحقيقها بكلّ الوسائل والإمكانيّات، وإيصال الصورة بكلّ دقّة واتّزان. وأنا بِدَوْري لن أتخلّى عن الكتابة وتوجيه النقد بأسلوبي وبالنغمة التي أراها مناسبة والتي اختارها فكري وصدق مشاعري لكلّ من يقدّر الكتابة، ويحترمها ولمن يقرأ بذوق.
وإنّي على قناعة تامّة أنّ مئات المقالات التي نشرتها، أنا وزملائي، أصحاب الأقلام الأحرار، لم تخدم أو تسهم في توعية وخدمة المجتمع!
في هذا الموقف يحضرني قول جبران :"أكتب لكي أفجّر الأشياء والكتابة انفجارا، وينتصر النور على العتمة، كي تقرأني سنابل القمح، كي تفهمني الوردة والنجمة ووالعصفور".
في نظري الكتابة كالأمّ إنْ كان ولدها في خطر فهي تعصف بكل شيء، تكسر الأشجار، وتحطّم كلّ ما في طريقها، وتخلق جوًّا من البلبلة، وتفقد الحياة طعمها، إلى أنْ تلقاه لتضمّه وتعانقه ثمّ ترتاح وتهدأ!
[email protected]