(عضو لجنة المراقبة في اتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين بالداخل)
الضيوفُ الأكارم، مع حفظ الألقاب والمناصب
الأخواتُ والإخوة في اتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين
الحضور الكريم
تحيةَ محبةٍ واحترام، تحيةً ممهورةً بإبداعٍ وعطاءٍ لا ينضبان
اسمحوا لي بدايةً أن أشكرَ مدينة الطيبة بلديةً وأهلاً ومنظمين على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، والشكرُ الموصول أيضًا للأساتذة الزملاء: عبد الرحيم الشيخ يوسف وأسامة مصاروة، وعلي هيبي، وكلِّ الذين ساعدوا وأشرفوا على تنظيم وإنجاح هذا اللقاء الاحتفالي.
يتساءل جابر عصفور: ماذا يمكن أن يحدث لحياتنا إذا خلت من القيمة؟ ثم يجيب قائلاً: يخبو الدافع الخلاَّقُ للحياة بكل معانيها! ولذلك فإن الاحتفاءَ بالقيمة احتفاءٌ بالحياة في أصفى حالاتها، وفي أرقى أشكال تقدمها الصاعدِ إلى ما لا نهاية. الاحتفاءُ بالقيمة معناه احتفاءٌ بالإنسان بوصفه الحضورِ الحرِّ الفاعلِ في هذا الوجود! وهذا ما سنحاولُ أن نقاربَه اليومَ ونحن نحتفل معًا بهذه المناسبة.
من حيفا الحاضرةِ الثقافية الأبدية، وبتاريخ 19/حزيران/2014 تحديدًا كانت الانطلاقة البُشرى! عام واحد ونيِّف قد مضى على تأسيس اتحاد الكرمل للأدباء. فحين دعت الحاجة، وبعد طول انتظار، تنادى عدد كبير من مبدعاتنا ومبدعينا إلى تأسيس هذا الاتحاد. اتحادُ أدباءٍ شامل يتعدى الفئوية ويليق بحركتنا الأدبية والثقافية، وبمجتمعنا، ويرتقي إلى مستوى الأهداف والآمال المعلَّقة علينا. وبما أن الحياة لا تني عن الحركة، فقد جرت في النهر، مُذاك الوقت، مياه غزيرة ووفيرة كان من أهمِّها: عقدُ الندواتِ الأدبية، والنشاطاتُ الثقافية والفعالياتُ الاجتماعية، والتربويةُ الإبداعية، في العديد من مدارسنا ومراكزنا الثقافية في القرى والمدن العربية، كذلك: إصدار مجلة "شذى الكرمل مجلة اتحاد الأدباء"، ناهيك بالعديد من إصدارات مبدعي الاتحاد. (موجزٌ عن أهم تلك النشاطات والفعاليات، تجدونه في مجلة الاتحاد "شذى الكرمل"، العدد الأول، ص85-86)! إن هذه النشاطات يمكن أن تزدادَ وتُطورَ مستقبلاً أكثر فأكثر، إذا ما توافر الدعم المعنوي والمادي من قبل سلطاتنا المحلية ومؤسساتنا المختلفة، وهي قادرة على فعل ذلك، إن أرادت!
واليومَ، وبعد مرور هذه المدةِ القصيرةِ نسبيًا، على تأسيس الاتحاد، نقول: يبقى هنالك متسعٌ كبير في مجرى النهر، لمياهٍ أخرى يمكن أن تنضمَّ اليومَ قبل الغد، ففي النهر متسعٌ للجميع! نحن من جهتنا، في اتحاد الكرمل للأدباء نمدُّ أيدينا ونناشدُ كلَّ مبدعاتنا ومبدعينا أينما كانوا: في النقب والمثلث والجليل، أن نتعاونَ معًا في سبيل اتحاد أدبي واحد وقوي يليق بنا وبشعبنا على حد سواء، وذلك على أسس من النقاش والحوار الحضاريين، تحت سماءِ روحِ الديمقراطية وعلى قدم المساواة والاحترام المتبادل! كان أرسطو يردد باستمرار: من النقاش يخرج النور! فذاك وحدَهُ كفيلٌ بصقلِ المفاهيمِ والوعي وشرطِ الترقي في مدارجِ المعرفة والثقافة والإبداع.
وبعد، فقد شهد مجتمعنا، في الآونة الأخيرة، حراكًا أدبيًا وثقافيًا ملحوظين في مسيرة الحركة الأدبية والثقافية المحلية، وقد لا نجانبُ الصواب إذا قلنا: كان لاتحاد الكرمل للأدباء النصيبُ الأكبر من ذلك الحراك، كما تشهد على ذلك انجازاتُنا التي تحققت على أرض الواقع خلال تلك الفترة. واليومَ لا يساورنا أدنى شك بأننا كحركة أدبية ثقافية في مجملها العام، أصبحنا نتبوأُ مكانة مرموقة محليًا وعربيًا، وأنه بفضلِ نشاطِ وجهودِ الإخوةِ في الأمانة العامة والإدارة واللجنة الثقافية والمراقبة وكافةِ أعضاء الاتحاد من دون استثناء، استطعنا: إثباتَ أنفسِنا وتثبيتَ أقدامِنا لنكونَ، وفي الطليعة دائمًا، المرآةَ الحقيقيةَ والصادقة لمجتمعنا وشعبِنا حيثُ نحنُ، طبعًا مع التمسكِّ بالثوابت الوطنية لشعبنا العربي الفلسطيني على كافةِ المستويات: الثقافية والتربوية والاجتماعية والسياسية، في سبيل نيل حقوقِه المشروعةِ كاملةً، وعلى رأسها: حقُّه في العودةِ وحقُّه في تقرير المصير والعيشِ الحرِّ الكريم، أسوةً بسائر الشعوب!
وللإخوةِ الزملاء في الاتحاد أقول:
ذاتَ مرةٍ قال سقراط لرجلٍ وسيمٍ أنيقٍ، جاءه متباهيًا بملابسه متبخترًا بمشيهِ أمامَه: تكلَّمْ حتى أراك! وقال إبراهيمُ النظَّام شيخُ المعتزلة: تكلَّم لأعرفَك! وأنا أقول قياسًا: أكتب لأعرفَك! فالكتابة تدل على الكاتب، مثلما يدلُّ كلُّ أثرٍ على صاحبه! وبقدر ما يمتلك الأديب أو الشاعرُ أو الكاتبُ منا، من اطلاعٍ في مختلف مجالات الحياة من الثقافة والذوق والوعي والموهبة، يكون أدبُهُ راقيًا رفيعًا وإبداعيًا! وأنا لا أقول هذا الكلامَ جزافًا! إنما بعد أن تسنى لي أن أراجعَ بعضَ موادِّ العدد الثاني من مجلة "شذى الكرمل"! ساءني أن أقرأ ما لا يليقُ لا بلغة الضاد أو ينتقصُ من حقِّها علينا شكلاً ومضمونًا، ولا بنا، لأنه لا يُرضي أحدًا من بينِنا، الأمرُ الذي دفعني إلى تلك الملاحظة! فالمطلوب أن نتزودَ بالقراءة ما استطعنا! سُئل المأمون: ما أحبُّ الأشياءِ إليكَ؟ قال: التنزهُ في عقول الناس! يعني قراءةَ الكتب. فالكتبُ مستودعُ الكلامِ ومنبعُ اللغة، فلا غنى لنا عنها حتى نتمكنَ من الارتقاء إلى مستوى العصر وتطوراتِه، مع المزيدِ من الاهتمامِ بالحداثة وتجلياتها، وتطويرِ لغتِنا شكلاً ومضمونًا، فهي هُويتُنا وأساسُ وجودِنا، ومن مثلُنا يجب أن يعيَ ذلك ويعملَ به قولاً وفعلاً؟! وأنا لا أدعوكم إلى شيءٍ وأستثني منه نفسي! فكما تعلمون نحن في اتحاد الكرمل للأدباء شعارنا الدائم: سلاحُنا أقلامنا، وهو سلاح قوي لمن يُحسنُ استخدامَه! نحن بحاجة إلى الكلمة الصادقة والقوية والمعبِّرة! وبذلك فقط يمكن لنا أن ننهضَ بكتابتنا ونرتقيَ بمجلتنا، لتكونَ اسمًا على مسمَّى! ومن هذا المنطلق: نرفضُ مقولةَ أصحابِ شعارِ "الفن للفن"، أو أن نقبعَ في برجنا العاجي، وكفى المبدعين إبداعُهم! لا هذا لا يكفي! نحن، كما يفترض، يُملي علينا الواجب والضمير أن نقفَ دائمًا إلى جانب شعبنا في كافةِ قضاياهُ العادلة، لاسيما في مجال التربية والتعليم وتشكيل الثقافة والتوعية.
أيضًا لا يفوتُنا أن نقف جنبًا إلى جنب شعبنا ومجتمعنا في نبذه ومكافحته لظاهرة العنف، ذلك الداءُ البغيض بكلِّ أشكاله وأنواعه، وتلك الآفةُ المستشرية في مجتمعنا على نحو لافت وغير مسبوقٍ، في الآونة الأخيرة! لا يختلف اثنان بأن العنفَ يهدم الأفرادَ والأسرَ والمجتمعاتِ، ويحرق الأخضرَ واليابسَ، ويُزهقُ الأرواحَ ويوقعُ الخسائرَ في الأموالِ والممتلكات، من دون ما حاجةٍ إلى ذلك أبدًا! من هذا المنبر، نناشد مجتمعَنا بكافة أطيافه، والمسئولين فيه خاصةً، الوقوفَ صفًا منيعًا واحدًا لمحاربة هذا الخطر الداهم، وقبل فواتِ الأوان!
وثمةَ بعضُ الملاحظاتِ لدينا في لجنة المراقبة، على أداء اتحاد الكرمل ممثلاً بالإدارة بكافة أعضائها والأمانةِ العامة واللجنة الثقافية وهي: أولاً: تحيةَ شكرٍ ومحبةٍ لكم على ما بذلتموه من جهد خلال هذه المدة، ويعطيكم ألفَ عافية، فنحن جميعًا نعلم أننا ما زلنا في بداية الطريق ونعملُ تطوعًا وفي ظروف صعبة. ثانيًا: نلفتُ عنايتكم إلى ضرورةِ أن يلتزمَ كلٌّ منا بدوره ويؤديَ واجبَه على أكملِ وجه، نحن نتطلع إلى تطوير عملنا وتحسينِ أدائِنا على نحو أفضل، مثال ذلك: التواصلُ مع كافةِ الأعضاء، إشراكُ المبدعات في مختلف النشاطات والفعاليات، الارتقاءُ بمستوى المجلة شكلاً ومضمونًا، والاهتمامُ بتوزيعِها، الالتزامُ بمواعيد الاجتماعات المقررة، الاهتمام بالنشاطات الاجتماعية بين أعضاء الاتحاد أنفسِهم الخ... نحن نجتهد، كما يُفترض، أن نقومَ بالمهامِّ الملقاةِ على عاتقنا بأقصى نجاعةٍ ممكنة، والتخطيطُ السليمُ والمكاشفة والشفافية حتى نرقى إلى ما نطمح إليه! ثالثًا: النقد البنَّاء يعدُّ ركيزةً أساسيةً في كلِّ مجتمع مدني. من هذا المنطلق، لن ندخر جهدًا أو وسعًا في سبيل تطوير أنفسنا.
كذلك، لا يفوتُنا أن نعودَ ونؤكدَ، من جديد، على موقف اتحاد الكرمل للأدباء، الذي يدين ويستنكر بشدة قرارَ المحكمة الإسرائيلية الجائرَ بحق أمينه العام المحامي سعيد نفاع، متضامنين معه قلبًا وقالبًا، ومطالبين بالإلغاء الفوري لهذا الحكم الظالم! الذي نعتبرُهُ ملاحقةً سياسية وانتقامًا غيرَ مشروع!
كما نعزي أسرة الفقيد برو. نعيم عرايدي فقيد الحركة الأدبية الذي رحل عنا أمس سائلين له الرحمة ولذويه الصبرَ والسلوان.
كذلك، ننتهز هذه الفرصةَ، بدعاء الخيرِ والمودةِ لكلِّ من تعذَّر عليه الوصول هذا اللقاء الاحتفالي، لأي سبب كان، على أمل أن يشارِكَنا في المرات القادمة.
أخيرًا: نتمنى للجميع عامًا مثمرًا آخرَ حافلاً بالإبداع والعطاء المتميز، وأنتم ترفلون بثوب الصحة والسعادة، فقدمًا إلى أمام! ونختم بخير الكلام: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ!وشكرًا!
(الكلمة التي ألقيت في الاجتماع الاحتفالي لاتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين في مدينة الطيبة بالمثلث بتاريخ 3/10/2015)
[email protected]