في هذا الزّمن العصيب، تتسارع فيه التقلّبات وتتشابك فيه التحديّات، يجد مجتمعنا نفسه أمام منعطف خطير، حيث تراجعت بشكل كبير ومقلق القيم الأصيلة التي كانت تشكّل عماد العلاقات الإنسانيّة وغابت العدالة عن تفاصيل الحياة الصّاخبة اليوميّة.
إنّ هذا الواقع يفرض علينا أن نرفع الصّوت مدويا لا كأفراد، بل كجماعة موحّدة من موقع مسؤوليتها في مواجهة الانحلال والانحدار وصون ما القليل ممّا تبقى من اصالة، عادات ورقي.
الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مزوّدًا بالعقل، ليكون مسيَّرًا في بعض الأمور التي لا يملك حيالها خيارًا، ومخيَّرًا في أخرى حيث يُمكَّن من التمييز والاختيار بين الخير والشر. غير أنّ الواقع المؤلم يكشف لنا أنّ الكفة قد مالت – للأسف – لصالح الغريزة المظلمة، فغلب الشر على مساحات واسعة من حياتنا، وانعكس ذلك سلبًا على رقي المجتمع وتماسكه، حتى بات يُعاني ويستغيث.
لقد غاب مصطلح العدل والعدالة من قاموس يومياتنا، وتلاشت الأخوّة التي كانت تربط الأخ بأخيه، بل أصبحت العلاقة بينهما شبه معدومة. والجّار الذي كان ملاذًا وسندًا، أصبح غريبًا في داره، لا يُسأل ولا يُزار. أما العائلات، التي كانت نسيجًا متماسكًا، فقد أصابها التفكك والبعد، حتى غدت أواصرها هشّة.
ولم يقف التراجع عند حدود العلاقات الأسرية والاجتماعية، بل طال حتى المناسبات الدينية والوطنية، فالعيد – الذي كان رمزًا للفرح واللقاء – أصبح عبئًا يتجنبه الكثيرون بالهروب إلى الخارج، بدل أن يكون فرصة للتواصل وصلة الرّحم.
إنها مسرحية طويلة، مشاهدها تتكرر بلا نهاية، وقد ملّها الكبير قبل الصّغير، حتى باتت تقلق الجميع. ومن هنا، يعلو نداء: كلّنا معًا – أفرادًا ومؤسّسات – ملزمون أن نضع حدًّا لهذا الانحدار، وأن نوقف هذه المسرحية المرهقة، لنستعيد قيمنا الأصيلة، ونبني مجتمعًا تسوده العدالة، الأخوّة، والرّحمة.
[email protected]