وراء كل كتاب فكرة، ووراء كل فكرة خطوة، والعالم كتاب من لا يسافر فيه لا يرى سوى صفحة واحدة، وهو ثروة العالم والمعلم الأول والنور إلى الحضارة يثري عالمنا الفكري وكما قال جبران: "سوف يأتي يوم تدرك فيه أن طي صفحة هو أفضل شعور في العالم، لأنك سوف تدرك أن هناك بالكتاب ما هو أكثر في تلك الصفحة التي كنت عالقا بها".
أهداني مشكورًا زميلي وابن بلدي، المربي د. محمد صفوري نتاجه النقديّ الخامس، الذي يحمل عنوان شرفات سرديّة الصادر عن دار سهيل عيساوي للطباعة والنشر، بدعم مركز الكتب والمكتبات ووزارة الثقافة.
يحوي الكتاب بين دفتيه 204 صفحات من الحجم فوق المتوسط، لوحة الغلاف كانت من نصيب الفنانة فيتا تنئيل.
الكتاب وزع على خمس شرفات سرديّة:
الشرفة الأولى: السرد النسوي الفلسطيني، يقول عنها الكاتب: "أطللنا منها عبر دراسة نظرية تطبيقية على مسيرة السرد النسوي الفلسطيني وتطوره في إسرائيل خلال العقدين الأول والثاني من القرن الحالي، ثم رصدنا بالدرس والتحليل روايتين نسويتين: "أنا استثناء ...فاحذر للكاتبة أريج داموني، ورواية "على شواطئ الترحال" للكاتبة الدكتورة راوية جرجورة بربارة. ومجموعة قصص قصيرة جدا للكاتبة أنصار وتد حملت اسم: "مرآة وصور".
الشرفة الثانية: تناولت سرد المرأة الفلسطينية في الضفّة الغربية وفي الشتات، ناقشنا من خلالها رواية "دمشقي"، للدكتورة الفلسطينية سعاد العامري ورواية" ظل التانغو" للمغتربة الفلسطينية دلال عبد الغني.
في الشرفة الثالثة رصدنا ثلاث روايات لثلاثة مبدعين من فلسطينيّي الداخل هي رواية "بلد المنحوس" للكاتب سهيل كيوان، ورواية "نجمة النمر الأبيض" للكاتب الدكتور محمد هيبي، ثم رواية "محاق" للكاتب ناجي الظاهر.
ثم رفدنا هذه الشرفة بشرفة رابعة، تناولنا فيها روايتين لكاتبين فلسطينيين من الضفة الغربية هما رواية "ليل الضفة الطويل "للكاتب الدكتور عادل الأسطة ورواية "نساء أويا" للشاعر الدكتور المتوكل طه.
ثمّ يضيف الكاتب قائلًا: "قفز الأدب الفلسطيني المحليّ في العقود الأخيرة قفزة نوعية من حيث المضامين المطروحة فيه والآليات الفنية التي يتكئ عليها، وقد رفد عملية تطور هذا الأدب عدة دراسات أكاديمية قيمة هي نتاج باحثين شباب من فلسطينيّي الداخل، وقد مثلنا لها بثلاث دراسات رائدة في الشرفة الخامسة، حملت الأولى اسم "أدب السجون في مصر سورية والعراق" للدكتورة ابنة شفاعمرو لينا الشيخ، أما الثانية فحملت اسم "الحرية والإبداع" للدكتور محمد هيبي، والثالثة اسم "أدونيس في مرأة المتنبي "للباحث إيهاب حسين، مما يؤكد مواكبة الإنسان الفلسطيني في هذه البلاد لعملية تطور الأدب والاطلاع على نظريات الأدب ومنجزاته في العالمين الغربي والعربي".
يشير الكاتب إلى أنّ كتاب شرفات سرديّة يعالج مجموعة نماذج سردية فلسطينية صدر معظمها خلال العقدين الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين دارت رحاها في الأساس حول فن الرواية الفلسطينية في مرحلة تطورها الأخيرة وعرجت على فن القصة القصيرة جدا، وهي في الأصل مجموعة مقالات ألقيت في ندوات أدبية ثقافية محلية مختلفة وتم نشر معظمها في الملحق الثقافي لجريدة الاتّحاد – حيفا، وقد عمدنا إلى جمعها في كتاب صونا لها من الضياع ورغبة في إتاحة المجال أمام الجمهور للاطلاع عليها والاستئناس بها.
وتبقى هذه المقالات في المحصّلة النهائية قراءات ذاتية ومحاولات لاستنطاق تلك النماذج السردية المختارة وفرز أبرز مضامينها وجمالياتها الأسلوبية، ما ظهر منها وما بطن، وهي غير مقصورة على قراءاتنا فللقارئ أن يقبلها أو يرفضها أو يدحضها بقراءة أخرى، وهو حق مشروع له غير منكر عليه شريطة أن تكون مدعومة بقرائن نصية تؤكد ما يذهب إليه.
بغية فهم الإبداع الأدبي وتفسير مضامينه وإدراك أبعاده الجمالية والفنية أنتج النقد الأدبي حفنه من القواعد والآليات، وشهدت الساحة الأدبية النقدية ظهور عدد من التيارات التي تحاول التحكم في آليات تحليل النصوص الإبداعية الهادفة إلى كشف جمالياتها.
هدف هذا التقرير ليس النقد ولا تقييم الكتاب، فهو أمر متروك للنقاد المتخصّصين.
وللخلاصة، ومن أجل المصداقية، أقول إنّ د محمد صفوري كاتب على مستوى رفيع تتسم كتاباته بالجمالية التعبيرية بأسلوب وإبداعٍ راقٍ وإيقاع عذب ورونق تصويري في ابتكار الصورة واندفاق الكلام السلس والانيق والأفكار النيرة والقيم الإنسانية التي تتجلى بمدى قدرته على التضحية مقابل التمسك بقيمه وما يؤمن به.
لكاتبنا الكبير، المربي د. محمد أصدق التبريكات والتحيات مقرونة بأطيب التهاني، وإلى مزيد من الإبداع والتألّق.
[email protected]