"وقعت الواقعة فاذن هي واقعة" على حد تعبير الفنان الساخر زياد الرحباني.. والواقعة وقعت في بلادنا بعدما ظنّ معظم الناس أنها لن تقع إلى أن وقعت فباتت واقعة. وبما أنها باتت واقعة علينا التعامل معها بنظرة واقعية. ونبدأ من السؤال كيف ولماذا وقعت الواقعة وننتهي بالنتائج والتوقعات.
كثيرون نسوا المتهم الرئيس، وانشغلوا بالقاء اللوم والتهم على أشخاص عبارة عن حجارة شطرنج، وتجاهلوا من يحرك تلك الحجارة. كثيرون وبمن فيهم قائد الشرطة الإسرائيلية العام، وجهوا أصابع الاتهام لعضو الكنيست "الطري"، العنصري المتمرس، بن غفير. والتقط الكثيرون ذلك الاسم وارتاحوا بتوجيه الاتهام له، ونسوا معلمه ومرشده، المتهم الأول والرئيس بنيامين نتنياهو، الذي ما زال يتقلد منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية، رغم فشله بتشكيلها منذ سنتين.
ومن الحقائق التي أثبتتها الانتفاضة الحالية ويجدر الانتباه اليها، أنها قامت وتصاعدت بحراك شبابي، لشباب كان يحبو عندما وقعت "انتفاضة القدس والأقصى"/ "هبّة أكتوبر" في عام 2000، هذا الشباب الذي نشأ في ظل "الفردوس" الإسرائيلي. حيث العمل الحر وسهول التنقل والسهر والأحلام، لكنه لم يضمن لهم المساواة وأبقاهم دون درجة المواطن، التي يستحقونها. ولهذا لم يكن غريبا أن تشهد المواجهات داخل إسرائيل بين العرب واليهود، تصاعدا في منسوب الكراهية، بعدما ظن الكثيرون أننا دخلنا عصرا جديدا في الحياة المشتركة، ويمكن للعرب أن يتحولوا إلى "مؤثرين" في مجريات السياسة الإسرائيلية، كما توهموا وأوهموا، بعدما أعلن نتنياهو ولغايات سياسية ضيقة تتعلق به وبعودته إلى سدة رئاسة الحكومة، وأصيب البعض بدوار "التأثير" وأراد دخول الحلبة السياسية بشكل مغاير لما هو متبع، معتقدا أنه أحدث كشفا سياسيا جديدا وأنه بات في يديه مصير تشكيل الحكومة وحمل "بيضة القبان" في جيبه، لكن أمام أول امتحان انهارت كل تلك الأوهام القائمة على أسس من الرمل، وعادت الكرة ليس الى الهدف الذاتي بل الى خارج الملعب، لتعود الأمور وتبدأ من نقطة قبل الصفر.
نتنياهو بتهوره الواضح في سبيل البقاء في منصبه، أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، بعدما توهم وأوهم غيره أن العرب نسوا فلسطين وأداروا لها ظهورهم، بعدما انفتحت عليه إمارات الخليج المصطنعة، ووصلته رسائل "الواتس اب" ومحادثات "الميسنجر" من أشباه بشر على رؤوسهم كوفيات مشوهة. لقد عاد المارد الشبابي العربي وانطلق من قمقمه، يرسم مستقبلا مختلفا عما رسموه له. وعادت شوارع العالم تتفاعل مع القضية الفلسطينية، وتعج بالمتظاهرين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني وحقه في الحياة، حيث شهدت لندن وبرلين وشيكاغو وروما وغيرها حشود فقدتها منذ عقدين من الزمن.
أما عن الإعلام العبري فحدث ولا حرج.. لقد سبق وعرفنا حقيقته في أكثر من واقعة، وقف فيها إلى جانب السلطة الممثلة بالحكومة بشكل مطلق، وكان جنديا في المعركة ولم يتصرف كإعلام موضوعي حر، كما يفترض. واليوم أطل علينا الاعلام العبري بشراسة أكبر، وأظهر مدى عداءه وكراهيته للعرب، وان استضاف أحدا من العرب في استوديوهاته، إنما فعل ذلك كاستدعاء للتحقيق، كما تفعل الشرطة، ووضع الضيف العربي في كرسي الاتهام، فهل هذه هي وظيفة الاعلام؟
وتبقى مسألة أخرى أرى أنها على جانب كبير من الأهمية. انخراط المسيحيين في النضال الفلسطيني والفعاليات الشبابية في الداخل بشكل يعيد الثقة بأن التلاحم الإسلامي –المسيحي الوطني يحافظ على مكانته التي شهدت تراجعا مؤسفا، وهنا على الجانب المسلم، المكون الأكبر أن ينتبه لأخيه المكون المسيحي الذي يضج وطنية في داخله، ولكنه يحتاج إلى مكانه الطبيعي الذي كان يمارسه في السابق، وعدم السماح بتهميشه أو تحويله إلى طرف متضامن، بل هو مكون أساسي ورئيسي ولا يمكن الاستغناء عنه ويجب رد الاعتبار له.
[email protected]