في زحمةِ الأصوات التي تدّعي امتلاك الحقيقة، وفي عالمٍ تتناهشهُ الطوائف، وتتوزعهُ الشعارات، ويُجزّأ فيه الإله على مقاسات البشر، أقفُ صامتة… مطمئنة… وأقول لنفسي بصوتٍ داخلي لا يسمعه أحد: الله يعرفني… وأنا أعرفه… وهذا يكفي.
ليست لديّ بطاقة انتساب لحزبٍ ديني، ولا ختم على جبيني يقول إنني أنتمي لفرقة الناجين وحدها. أنا إنسانة… أُخطئ وأتعلم، أسقط وأقوم، أحب وأتعب، أرتجف وأحلم. ومع هذا، أعرف أن الله لا يُصنّفني في خانة "الصالحين" أو "الخاطئين"، بل يحتويني كما أنا، لأنه هو المحبة، وليس القاضي الذي ينتظر سقوطي ليحكم.
الله ليس طائفة... الله ليس رأيًا سياسيًا...
الله ليس وطنًا ولا جنسية، ولا كتابًا يُحتكر، ولا صلاة تُتلى بلغة واحدة.
الله أكبر من أن يُختزل في كنيسة أو مسجد، أو مذهب أو طقس.
الله لا يُحب لأنك صليت، بل يحب لأنك موجود.
الله لا يعاقبك لأنك ضعفت، بل يحتضنك لأنك إنسان.
في لحظات الظلمة، لم يكن معي شيخ ولا كاهن ولا فتوى.
كان الله هناك… في الصمت، في الدمع، في الرجفة التي تصيب قلبي حين أهمّ بالدعاء.
كان الله معي حين لم أفهم نفسي، حين كرهت ضعفي، حين صرخت في داخلي: "هل ترى؟ أنا هنا!"
وكان الجواب دائمًا: نعم، أراكِ. وأحبكِ رغم كل شيء.
محبة الله ليست صفقة
ليست مشروطة بعدد الركعات ولا بطول اللحى ولا بأسماء القديسين.
هي محبة تنبع من جوهره هو، لا من استحقاقنا نحن.
هي في الهواء الذي لا نراه ولا ندفع ثمنه،
في الشمس التي تشرق على الظالم والمظلوم،
في يد الأم التي تمسح دموع طفلها،
في غصن زيتون ينمو في الأرض رغم الرصاص.
من علمنا أن الله لا يحب إلا من يشبهنا؟
من أقنعنا بأن الجنة حكرٌ على مذهبٍ أو جنسية أو لغة؟
الله الذي خلق الأبيض والأسود، الرجل والمرأة، العربي واليهودي، المسيحي والمسلم، المؤمن والمرتبك…
أيكون حكرًا بعد ذلك؟ أيكون إله فرقة واحدة فقط؟
الله ليس ملكًا لأحد… لكنه أبٌ للجميع
أبٌ لمن يصلي ولمن لا يصلي،
لمن يطلبه كل صباح، ولمن يصرخ في وجهه: "أين كنت؟"
هو القريب من البعيد، والحاضر في الغائب،
وهو لا يخجل من إنسانيتنا، بل يناديها: تعالي كما أنتِ، لا كما يتوقعونكِ أن تكوني.
أنا لا أملك دليلًا على محبتي لله، ولا أسعى لإثبات إيماني في قاعة محكمة،
لكنني حين أرى النور في عيون الفقراء، حين أشعر بالخجل من قسوتي، حين أقدم كأس ماء دون أن أُسأل عن ديانة العطشان…
أعرف أن الله في قلبي، وأنه يعرفني… وهذا يكفي.
الختام: الله للكل… لا للقلّة
لا تُصغوا لمن يوزع الله بين القبور، أو يحصره في الطقوس.
الله في قلب من يبكي من شدّة الحب،
في يد من يُمسك بآخر يوشك أن يسقط،
في شهقة من يصلي دون أن يعرف كيف يبدأ صلاته.
الله ليس لنا فقط… بل للجميع.
[email protected]