منذ سنوات قليلة تنبّهت منظمة الصحة العالمية إلى تعاظم مخاطر ظاهرة "مقاومة المضادات الحيوية"، وصنّفتها واحدة من أكثر تهديدات القرن الحادي والعشرين خطورة. أما "المنتدى الاقتصادي العالمي" فوصف هذه الظاهرة بأنها "كارثة منتظرة" ستعصف بصحة البشر واقتصاد العالم على حد سواء. ويكفي أن نعلم أنه من دون المضادات الحيوية الفعالة، فإن العمليات الطبية العادية قد تشكل خطراً على حياتنا في يوم ما. وكمثال على خطورة تفشي ظاهرة المقاومة هذه، تورد منظمات صحية دولية تقارير موثقة تتحدث عن زهاء 700 ألف حالة وفاة العام الماضي فقط، جراء مقاومة بعض الأمراض للمضادات الحيوية، من مثل السُّل والإيدز والسيلان والملاريا وتسمم الدم. وقد سُجلت في الولايات المتحدة وحدها 35 ألف حالة وفاة و2.8 مليون إصابة جرّاء ذلك العام الماضي وحده، وفقاً لتقرير صادر عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
وتحذر الدكتورة "مارغريت تشان"، المديرة العامة السابقة لمنظمة الصحة العالمية، من مستقبل بائس إذا ما فقد العالم المضاد الحيوي، وتقول "إن اختفاء المضادات الحيوية يعني عمليا نهاية العقاقير الحديثة كما نعرفها اليوم. إذ ستصبح إصابات، مثل التهاب الحنجرة أو جرحٌ في ركبة طفل، كافية لتكون سببا للموت". في حين توقعت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية وفاة 10 ملايين شخص حول العالم بحلول منتصف هذا القرن، نتيجة تفشي الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية، في حال لم يتم اتخاذ أي إجراء لتفادي ذلك.
نقل المورثات
منذ اكتشافها في أوائل القرن الماضي، ساهمت المضادات الحيوية في خفض نسب الوفيات بين البشر، وساعدت على إتمام إجراءات طبية في غاية الأهمية، مثل زراعة الأعضاء والعلاج الكيميائي لمرضى السرطان والعمليات الجراحية وغيرها. إلا أن دلائل عديدة برزت في الفترة الماضية دلّت على اكتساب البكتيريا لتقنيات مقاومة جديدة يمكنها سلب المضادات الحيوية فاعليتها. إذ تتطور البكتيريا والفيروسات والطفيليات وغيرها من الميكروبات بشكل مستمرّ لتضمن بقاءها. لا بل تكيَّف بعضها لدرجة كبيرة مع العلاج الطبي بحيث لم تعد الأدوية التي تستخدم عادة للوقاية منها تجدي نفعاً. ويُطلق على قدرة البكتيريا على النجاة من الأدوية المستخدمة ضدها تسمية "مقاومة المضادات الحيوية".
يلعب الانتقاء الطبيعي دوراً رئيساً في عملية صوغ أصول المقاومة؛ فعندما يهاجم مضاد حيوي مجموعة من البكتيريا يكون البقاء في النهاية لأقواها. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد. فقد كُشف النقاب في الآونة الأخيرة عن "آلية تطور" لم تخطر ببال علماء الأحياء أُطلق عليها "النقل الأفقي للمورثات". وتعني الكلمات الأخيرة الثلاث، أن المورثات تنتقل بشكل أفقي بين أفراد البكتيريا الواحدة، وبين الأنواع الأخرى، وبين بقية ممالك المخلوقات، وحتى من جنس إلى جنس (من حيوان إلى إنسان مثلاً). وتساعد عملية النقل هذه، الكائنات على اكتساب خصائص وراثية من كائنات أخرى من دون أن تكون من نسل هذه الأخيرة. وكشف التسلسل الجينومي عن أن هذا النقل الأفقي للحمض النووي يمتلك أهمية عميقة في تاريخ الحياة، وأنه شائع بشكل خاص بين البكتيريا، وأن من تداعياته انتشار مورثات "مقاومة المضادات الحيوية".
[email protected]