تتزايد في الآونة الأخيرة الدلائل على خروج القائمة المشتركة من أزمتها القاسية ونجاحها النسبي بتخطي تبعات خسارتها لثقة الناس وعودتها كعنوان شرعيّ مقبول وموحّد جدير بأصوات الناخبين العرب، رغم اختلاف منابتهم السياسية والعقائدية وتباين أطياف أحلامهم المنشودة.
لا طائل اليوم في التدقيق بأسباب تلك الأزمة ولا في سبر أغوار هذه التحوّلات الايجابية، الذاتية أو الموضوعية؛ لكنني أجزم بأن مواقف قيادات القائمة المشتركة، في بعض المحطات المفصلية وتمترس كوادر أحزابهم من خلفها وخوضها لصراعات "قبلية" دامية، كانت من أهم أسباب توليد تلك الأزمة؛ وستكون، إذا تغيّرت وتحسّنت، من أهم أسباب نجاتها من السقوط المدوّي ومن الاندثار الحتمي الوشيك، كما كان متوقعًا لها في الأشهر الماضية.
رغم بوادر الانقلاب الحميد الذي تشهد عليه بعض ساحات بلداتنا، لاحظنا مؤخرًا أن بعض قيّاديي القائمة المشتركة لم يذوّتوا، بعد، خلاصات فشل المحاولة السابقة؛ وما زالوا يجيزون لأنفسهم ، رغم ثبوت حقيقة ضمور أحجامهم الانتخابية، أن يتصرفوا وفق دوافع ذلك الماضي التناحري ومساطره السقيمة، ويخاطرون بإفشال محاولات انقاذ التجربة المنبعثة، وبإعادة الرأي العام إلى مربع الاشمئزاز المعلن وفقدان الثقة. ولقد برزت عوارض هذا النهج، بشكل واضح ومقلق، بعد مقابلة النائب أيمن عودة لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية وردود فعل عدد من القيادات عليها.
سيُفرح استئناف المناكفات بين مركبات القائمة المشتركة جميع الأحزاب اليمينية الصهيونية وسيقوّي، في نفس الوقت، نداءات الداعين الى مقاطعة الانتخابات ؛ بينما، بالمقابل، سيساهم الوفاق الحقيقي بينهم في احياء رغبات من فقدوا شهواتهم السياسية وفي استعادتهم إلى "الأحضان العامة" كعناصر اجتماعية ناشطة ومؤثرة في الاتجاهات الصحيحة.
لا يملك قادة المشتركة متسعًا من الوقت لمزيد من التجارب ومن الرهانات الفارهة، فالانتخابات ستجرى في السابع عشر من أيلول/سبتمبر المقبل، وكي لا يسقطوا في أول امتحان "بسيخو-وطني"، قادم لا محالة، سيكون من الحكمة أن يحصّنوا مبادرتهم الحالية ببرنامج يضمّنوه توافقاتهم الأساسية في ميادين العمل السياسية والاجتماعية والثقافية ؛ خاصة بعد أن خبروا طبيعة الحُفر التي أفشلتهم في تلك المسيرة حين كانوا معًا ولم يكونوا، فتناكفوا، كالديوك السكرى، على حفافها حتى وقعوا وأوقعونا فيها.
لن يتحمّل مؤيدوهم خديعة انتخابية جديدة، ولن يغفروا لهم مجرد اكتفائهم بالتوافق على ترتيب مقاعدهم النيابية، بينما لم يكاشفوا الناس بحقيقة التكتيم على اختلافاتهم على المضامين السياسية الرئيسية وحول برامج عملهم "المشترك" في المستقبل؛ فمن الأجدر والانصاف، في هذه الحاله، ان يعلنوا للملأ، قبل موعد الانتخابات، عن سعة تلك المسافات التي بينهم كيما يعرف كل مصوت لقائمتهم المشتركة انه يدعم، عمليًا، مرشحي حزبه وليتوقع ، بعدها، عودة حروب الألسن في "برج بابل" هذا العصر.
وبعيدًا عن تلك الهواجس والنصائح، فإنني سأدعم القائمة المشاركة في التصويت وأرى في نجاحها انجازًا من شأنه أن يخدم مصالح المواطنين العرب في اسرائيل ويتيح لهم منصّات ستساهم في مقارعة نوابها لوكلاء تيارات اليمين الفاشي على أجناسهم، وتمنحهم فرصة استغلال تلك المنابر كروافع لفضح موبقات الحكومة والتصدي لسياستها أو على الاقل تحجيمها وإعاقتها بقدر المستطاع والمتاح.
أنني اعتبر أن عملية اقناع مقاطعي التصويت يجب أن تتصدر اجندات جميع نشطاء الأحزاب والحركات والمؤسسات الداعمة للقائمة المشتركة، ومهمة ثني المقاطعين يجب أن تبقى طارئة وملحّة، خاصة بين من ابتعدوا وهجروا الصناديق كتعبير عن امتعاضهم من ممارسات قادة أو أنصاف قادة الأحزاب والحركات السياسية والدينية، أو احتجاجًا منهم على مواقفهم القطرية وتلك التي مارسوها على المستوى البلدي والمحلي.
لقد استغلت عناصر كثيرة أجواء الغضب الشعبية التي سببتها تلك السلوكيات ونجحت في استثمارها وتطويرها الى درجات وصلت حد المطالبة بخلع الشرعية عن تلك القيادات وعن أطرها التنظيمية؛ فنجاح المشتركة، في هذا السياق، سيضمن إفشال هذه المحاولات البائسة؛ مع اننا، للتنويه وللتأكيد ، يجب أن نميّز بين ما خططت له جهات حكومية وصهيونية يمينية معادية ومعروفة، وأعوانهم من بين العرب، وبين مواقف فئات وشرائح عربية رفعت شعارات مناوئة للقائمة ومحرّضة على قياداتها حيث كان بعضها مدفوعًا بمشاعر نقدية سليمة وصادقة أو بحسن النوايا وبالغيرة الشعبية الطيبة.
رؤساء المجالس والبلديات جناح من أثنين
وعلى صعيد آخر فأنني على قناعة بأن دور رؤساء البلديات والمجالس المحلية العربية سيكون، في هذه المعركة، مفصليا وذلك رغم الصدوع التي ضربت هذا القطاع الهام من أبناء شعبنا في العقدين الآخيرين.
فقد عبّر عن هذا الأمل النائب أيمن عوده حين كتب، في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، على صفحته وقال "بعد مهرجان كفر ياسيف أشعر بالتفاؤل. بهذه الانتخابات نحن مليون مصوّت يا نتنياهو. شعبنا سيفعلها "
لقد جاء هذا التصريح بعد نجاح مهرجان افتتاح المعركة الانتخابية في قرية كفر ياسيف الجليلية وهي تستعيد مع المحامي شادي شويري، رئيس مجلسها الجديد، ومع القائمة المشتركة، أيام تلك القرية / القلعة التي كانت "شوارعها بلا أسماء"، وكانت تظلل شعراء الحرية الحمراء يأتونها "وهم سجناء" ، كما صدح في ساحتها الشاعر راشد حسين، وتنتظر عودتهم "وهم طلقاء".
وبعد كفر ياسيف شدّت انتباهي زيارة النائب أيمن عوده لمدينة الطيبة؛ فعلاوة على استقباله بحفاوة من قبل أهلها رحب به رئيس بلديتها المحامي شعاع منصور وأعلن على الملأ وبحزم: " كلنا جنود من أجل المشتركة" وأضاف تعهده بالعمل على اخراج الناس للتصويت لها.
انها بشائر تستدعي الرعاية الواعية والملاحقة ؛ فطائر الرعد لن يحلق في سماواتنا من جديد الا بجناحيه الأصيلين: تمثيل سياسي واع ومشرّف في الكنيست، وقيادات محلية تعيش وتعمل بهدي ما زرعه آباء جيل البقاء والنقاء حين علمونا أن لا "خدمات بدون كرامات ".
وأخيرًا، لا بد من همسة في آذان من أساءوا تقدير مخاطر ما يتداعى في مواقعنا وأخطأوا قراءة خوارط الدم النافر والغبار المتناثر في شوارعنا؛ فكل عمل وحدوي يتأهب لمواجهة معركة شرسة من نظام حكم لا يخفي مخططاته القمعية والاقتلاعية تجاه مواطني الدولة العرب، يلزمه بوصلة سياسية مسؤولة تتخلص من نزعات المقامره ومن ترهات المزايدة ومن فذلكات الارتجال؛ وكل اصرار على محاربة العنف المتفشي في بلداتنا والانتصار عليه، بحاجة الى قائد عنيد، ذكي، صارم، ليّن ، لبق، مثقف ، قلق، أديب، مجرب، متواضع وقادر على ركوب الريح وعلى احتضان الورد وعلى اجتراح الوعد وعناق القمر .
يتبع..
[email protected]