الجنس البشري هو سجية تكاملية لأكثر العلاقات الرومانسية، ولكنه قد يكون مصدراً لاضطرابات العلاقة الزوجية، أو قد يؤدي إلى عدم استقرارها أو إلى انتهائها. ففي الولايات المتحدة الأمريكية أدت 50% من هذه العلاقات الرومانسية إلى اضطرابات الحياة الزوجية أو إلى انتهائها، ما تسبب في ارتفاع نسبة المشاكل النفسية والجسدية للشريكين الجنسيين، ولهذا فإنه من الأهمية القصوى، بمكان أن يكون هنالك إدراك وتفهم أوسع في العلاقة الودية والزوجية، لكي تتجنب العواقب التي تؤدي إلى اختلالات وظائفية جنسية تؤدي بدورها إلى انتهاء العلاقة الرومانسية بين الزوجين.
وفي المجال الطبي، فقد تطورت في السنوات القليلة الماضية معرفتنا السريرية بصورة مكثفة وواسعة في مجال الصحة الجنسية عند المرأة، وخاصة في تشخيص أسباب الضعف والبرودة الجنسية، كما تعمقت معرفتنا لأسباب وعلاج الاختلالات المرضية الجنسية عند النساء، وتبين لنا علمياً وطبياً وإحصائياً أن هذه الاختلالات المرضية هي الأكثر تعقيداً عند المرأة مقارنة بالضعف الجنسي واختلالاته عند الرجل.
يعرف البرود الجنسي بأنه إما عجز أو فقدان الشعور بالرغبة والشهوة الجنسية المؤدية إلى العزوف عنها أو حتى العزوف عن التجامع الجنسي، والسبب في ذلك يكون مرضياً، ويكمن في ضعف أو اختفاء الإثارة للاستجابة العضوية للمحفزات الجنسية نفسها، ويؤدي بذلك إلى فقدان الرغبة في الوصول إلى المتعة والرضا الجنسي، أو إلى الذروة الجنسية، وهذا ما يسبب لاحقاً ليس فقط العزوف عن العملية الجنسية نفسها وإنما البرود الجنسي الكامل.
أما أكثر الاختلالات المرضية الجنسية انتشاراً عند المرأة فهي:
- الضعف في الرغبة الجنسية.
- النفور الجنسي.
- البرود الجنسي العام (ويقصد بذلك النفسي والعضوي في آن واحد).
- ضعف في الشبق والذروة الجنسية.
- آلام وتشنجات مرضية في المهبل تحدث أثناء العملية الجنسية.
- العقم.
وتدل الإحصاءات السريرية الحديثة المتعلقة بنسب الإصابة بهذه الأمراض عند المرأة على ما يلي:
- تكون الإصابة بالبرودة الجنسية عند المرأة بنسبة (16% - 75%) بسبب ضعف الرغبة الجنسية.
- تكون بنسبة (6% - 45%) بسبب ضعف الوصول أو إدراك الذروة الجنسية.
- تكون بنسبة (2% - 64%) بسبب ضعف في الإثارة الجنسية بسبب عوامل عضوية معينة أو نفسية.
- وتكون بنسبة (58%-7%) بسبب الإصابة بآلام وتشنجات في المهبل وتشنجاته أثناء العملية الجنسية.
وقد تصاب المرأة في الوقت نفسه بأكثر من اختلال جنسي واحد. ولكي يتم تشخيص هذه الأمراض بصورة صحيحة فمن الواجب على كل طبيب متخصص في هذا المجال معرفة مصادر الاضطرابات المرضية التي لها علاقة وصلة نفسية باضطراب الأداء الجنسي، وبخاصة اضطراب العلاقة الرومانسية والودية بين الشريكين الجنسيين، فهذه الاضطرابات لها علاقة رئيسة بنوعية العلاقة العاطفية وعمقها، وبخاصة درجة التعلق بالشريك الجنسي. وقد أثبتت البحوث السريرية الحديثة في هذا المجال أن الارتباط العاطفي بين شخصين بعد بلوغ سن الرشد يؤدي إلى الحب في العلاقة بحد ذاتها. وتقول هيلين فيشر، الباحثة في علم الإنسان، في نظريتها حول هذه العلاقة: إن تطور علاقة الحب بين الأنثى والرجل يتم من خلال ثلاثة أنظمة في الدماغ البشري تحفز العلاقة العاطفية بينهما لكي تتطور إلى علاقة جنسية نتيجتها الجماع الذي هدفه هو الإنجاب والأنظمة التفعيلية الثلاثة في الدماغ هي:
- الشهوة الجنسية: وهي غريزة هدفها التمتع والارتضاء.
- الحب الرومانسي: وهو عبارة عن حالة ذات رغبة جامحة للالتقاء الجنسي ولفترة قصيرة.
- العلاقة الودية ذات العمق الودي والغرامي طويل الأمد، وفي الوقت نفسه الحب المستدام لشريك الحياة.
والفريد في هذه النظرية لهيلين فيشر هو أنه يدل على اندماج بيولوجي لهذه الأنظمة الثلاثة التي لها علاقة بالشهوة الجنسية والحب والعلاقة الغرامية متأثرةً بمفعول الأمينيات الكاتشولية والهرمونات الجنسية التي هي كالدوبامين (Dopamin) والنورأدرينالين (Noradrenalin)، وهاتان المادتان اللتان تفرزان في الدماغ أثبتتا مفعولهما بحوثياً بأنهما المحفزات الأساسية للإثارة الجنسية والحب الرومانسي في دماغ المرأة.
واذا أعيد ما ذكر، فإن نتائج هذه البحوث العلمية والكلينيكية المذكورة أعلاه يدلنا على بينة قاطعة بأن الأنظمة المحفزة الجنسية والعاطفية في الدماغ لها خاصيتها المميزة في تطور وتثبيت العلاقة الغرامية بين الشريكين الجنسيين، ويكون هدفها الأول هو التلاقي الجنسي والتمتع به، وهدفها الثاني هو الإنجاب بحد ذاته، وقد ثبت كلينيكياً وجود علاقة وطيدة بين غريزة التمتع الجنسي عند المرأة وبين مفعول الأمينات الكاتوشيلية المؤدية إلى الإثارة الجنسية التي تهيئ الغريزة إلى الاعتناء بالحافز الجنسي وتهيئ كذلك البيئة الغرامية، مؤدية بذلك إلى الإثارة الجنسية، وإن النور أدرينالين هو الناقل العصبي للجهاز العصبي الوديSNS المسيطر، حيث إن ارتفاع نسبة إفرازه في الدماغ يؤدي إلى تقوية الشهوة الجنسية وإنعاشها، وفي حالة التعلق الغرامي تؤدي هذه المادة الأمينية إلى فقدان الشهية والأرق عند المرأة. بينما يؤدي ارتفاع نسبة إفراز الدوبامين الذي هو كذلك ناقل عصبي ضروري ومحفز مسؤول عن التحفيز الجنسي في الجهاز العصبي.
كيف تحدث الإثارة الجنسية؟
تخضع فسيولوجية الأداء الوظيفي الجنسي عند المرأة للاستجابة للإثارة الجنسية بعد أن تفعّل حسياً من قبل الجهاز العصبي المركزي، الذي يؤدي بدوره إلى تفعيل الإثارة الجنسية نفسها نتيجة ارتفاع وازدياد في تدفق الدم إلى المنطقة الجنسية عند المرأة، وبخاصة المهبل والأعضاء المحيطة له أي البظر، وخلافاً لما هو معروف عن الضعف الجنسي عند الرجل، فإن الاختلالات المرضية الجنسية عند المرأة تخضع في الوقت نفسه إلى عوامل عدة منها العضوية والنفسية والعصبية والهرمونية والوعائية.
وتتركز البرودة الجنسية عند المرأة على فقدان أو ضعف الشعور بالإثارة والرغبة والشهوة الجنسية، وصعوبة الوصول إلى الذروة الجنسية أو العجز في الشعور باللذة الجنسية أو فقدان الإدراك بذلك، وقد يكون السبب فسيولوجياً أو نفسياً أو عضوياً أو هرمونياً. وللعلم، فإن الحافز الجنسي هو جزء نفسي وبيولوجي مهم، وهو الذي يحفز الرغبة الجنسية هرمونياً وعصبياً ونفسياً، مع العلم بأن الغدد الصماء العصبية هي التي تفعّل الشهوة الجنسية والتخيل الجنسي والأحلام الجنسية والتفكير بها.
وتدل الإحصاءات الحديثة على إصابة 43% من النساء بالاختلالات المرضية الجنسية ما بين سن ال25 عاماً إلى سن 60 عاماً من العمر، بينما يصاب الرجال بنسبة 31%، ولكن دراسات إحصائية أمريكية حديثة توصلت إلى أن نسبة الإصابة بهذه الاختلالات الجنسية عند المرأة هي أعلى بكثير مما ذكر مقدماً، حيث تشكو 98% من هؤلاء النساء من وجود المشاكل الجنسية المذكورة أعلاه للطبيب المختص بالأمراض النسائية الذي يزرنه بصورة دورية.
الأسباب
أثبتت الدراسات السريرية بأن البرود الجنسي يكون سببه بالدرجة الأولى هو خلل جنسي وظيفي يؤدي بعد ذلك إلى اضطرابات مرضية جنسية عند المرأة وهي:
- اضطراب مرضي تضاؤلي في الرغبة الجنسية أو البرود الجنسي.
- اضطراب مرضي شخصي في الإثارة الجنسية، وهو فقدان أو تردؤ في الإحساس في الإثارة الجنسية رغم المحفزات الجنسية المؤدية إلى التزليق المهبلي، وكذلك رغم وجود إثارة فسيولوجية في المنطقة الجنسية وبخاصة في المهبل والأعضاء الجنسية المحيطة به.
- اضطراب عضوي في الإثارة الجنسية، وهذا يؤدي إلى الشكوى من تردؤ استجابة الأعضاء التناسلية الجنسية للمؤثرات التحفيزية الجنسية وتتركز أعراضه على انخفاض في احتقان المنطقة الخارجية المحيطة للمهبل وانخفاض أو انعدام السائل المرطب للمهبل (التزليق) ومن ثم إلى انخفاض أو انعدام الإحساس والإثارة، وكذلك الشعور الجنسي والاستجابة له أو قد يحدث إحساس بإثارة جنسية ولكن من دون محفزات عضوية جنسية.
- اضطراب نفسي وعضوي مركب في الإثارة الجنسية، وهذا يؤدي إلى تضاؤل واضح بالشعور بالإثارة الجنسية، وكذلك تضاؤل الشعور بالمحفزات الجنسية، وهنا تشكو المرأة المصابة من فقدان وتردؤ الإثارة العضوية الجنسية.
- الإصابة بالإثارة الجنسية المستمرة والمستدامة، في هذه الحالة المرضية تكون الإثارة تلقائية وغير إرادية، وتتبقى هذه الإثارة الجنسية رغم الوصول إلى الذروة الجنسية، ورغم إكمال العملية الجنسية، وقد تستمر هذه الحالة لساعات أو أيام.
- اضطراب الذروة الجنسية، وهو عبارة عن ضعف أو عدم الاستطاعة بالتمتع أثناء الإثارة الجنسية، وفي الوقت نفسه عدم الاستطاعة للوصول إلى الذروة. ويلاحظ في هذه الحالة المرضية كذلك تضاؤل واضح في شدة الإحساس بالذروة أو يكون هنالك تأخر واضح للوصول إلى اللذة رغم التحفيز الجنسي من قبل الشريك الجنسي، ورغم إدلاء المريضة بأنها تتمتع بالإثارة الجنسية، فإنه يكون هنالك أيضاً ضعف في الذروة وتضاؤل في شدتها الحسية أو يكون هنالك تأخر واضح في الوصول إلى الذروة رغم التحفيز الجنسي.
وهنالك نوعان من هذه الاضطرابات المرضية: الأولى تكون من جراء عدم وجود تجربة جنسية سابقاً، والثانية تكون من جراء تناول الأدوية المضادة للكآبة.
- الإصابة بمرض آلام المهبل أثناء العملية الجنسية، وتكون أعراضها آلاماً مستمرة أو متعاودة ومتكررة أثناء محاولة الممارسة الجنسية أو محاولة استكمال الإيلاج إلى المهبل.
- الإصابة بمرض تشنج المهبل، وتكون أعراضه صعوبات دائمة ومتكررة وعدم السماح لأي شىء في الولوج إلى داخل المهبل وحتى الإصبع رغم وجود الرغبة في التجامع الجنسي.
- اضطراب النفور الجنسي وكراهيته.
الأسباب المرضية:
تنشأ الاضطرابات الجنسية المرضية المذكورة أعلاه، وكما أكدت الدراسات، من جراء وجود تغيرات مرضية في الخلايا الفارشة البطانية للأوعية الدموية عامة والأوعية الدموية في المنطقة الجنسية خاصة، التي تؤدي إلى تردؤ تدفق الدم الشرياني إلى الأعضاء التناسلية، وذلك بسبب فقدان المطاطية الكافية، أو بسبب تضيق في هذه الأوعية وبخاصة (شرايين المهبل والبظر)، وذلك بسبب ظاهرة أوكسيد النيتريك الباثولوجية، حيث يحدث تضييق وتصلب في جدران هذه الشرايين ومن ثم تضاؤل في إنتاج هذا الأوكسيد في جدرانها. فهذا الأوكسيد هو الناقل العصبي المحفز والفعال والمحافظ على مطاطية الشرايين وتوسعها، وهو المتحكم بها عصبياً، وهذا يحدث من جراء انتشار الأمراض العصرية المؤدية إلى الجهد الأكسدي في الخلايا البطانية الفارشة لهذه الأوعية مؤدياً إلى تلفها، وهذا يصيب الرجل والمرأة على السواء، والذين يشكون أيضاً من الأمراض الأيضية كالسمنة ومرض السكري، وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الدهنيات والشحميات في الدم، أو بسبب نمط الحياة الخاطئ لهؤلاء الرجال أو النساء في حالة الإفراط في تناول الأغذية الغنية باللحوم والشحوم، أو تكون بسبب قلة في الحركة البدنية وخاصة في عدم ممارسة الرياضة اليومية، أو يكون هنالك إدمان على التدخين أو الكحوليات.
إن كل هذه العوامل إضافة إلى وجود تسمم تلوثي بيئي في الطعام والشراب والهواء في الجو المحيط بنا، وبخاصة تلوث مستويات الهواء العليا والسفلى من مصادر عدة كدخان السيارات وعوادم محروقات الديزل ومداخن محطات توليد الطاقة والمصانع، حيث تتواجد كميات كبيرة من جزيئات الكربون الكبيرة (MP01) وكذلك الجزيئات الأقل حجماً (MP5.2)، تؤدي مجتمعة إلى الاضطرابات المرضية عند المرأة أو الرجل، وتحدث ارتفاعاً هائلاً وخطراً عند هؤلاء المصابين ليس بالأمراض الجنسية فقط، ولكن بالأمراض الأيضية الخطرة المذكورة أعلاه، التي تهدد حياة الشخص من جراء حدوث الجلطات القلبية أو الدماغية عاجلاً أو آجلاً بعد التعرض لهذه التغيرات الوعائية التضيقية والتصلبية الباثولوجية ومن ثم قد تؤدي هذه التغيرات الباوثولجية المرضية أيضاً إلى الأمراض النفسية والمشاكل الاجتماعية للمرأة أو الرجل.
وقد دلت الاحصاءات السريرية الحديثة على أن الإصابة بنوع واحد على الأقل من هذه الاضطرابات المرضية تشخص بنسبة 39% عند النساء ما بين عمر 40-60 سنة .
[email protected]