"أنتم الأهل السبب الأول في التحرش بأطفالكم". أبسط سؤال يطرحه قارىء هذه الجملة "لماذا؟". الاجابة بسيطة، ان أي تربية جنسية غير سليمة للطفل قد تصنع منه متحرشاً جنسياً من دون أن يدري. قضية كان لا بد من الاضاءة عليها من جديد بعد حوادث عدة يسمع بها اللبنانيون.
آخر الحوادث التي شغلت الرأي العام هي الجريمة الفظيعة والمزدوجة في حلبا، ارتكبها ن.ع (لبناني ـ 17 عاماً) إثر إقدامه على اغتصاب الطفل السوري محمد الخولي (خمس سنوات) قبل قتله ورميه في حاوية النفايات، وأخرى لم تطف على سطح الاهتمام الإعلامي عن صاحب معرض سيارات في دير الزهراني استدرج فتاة بعمر الخمس سنوات، وبادر الى مداعبتها جسدياً لكنها ولعدم درايتها بما حدث هرعت الى منزل ذويها لتخبرهم فأبلغوا المخفر الذي أوقف المتحرش مباشرة.
"هيدي لعبة يا بابا"
التحرش ليس داء ليكون هاجس كل لبناني، لكن لا بد من التوعية الجنسية وإلا قد (وليس أكيداً) يتحوّل طفلنا متحرشا أو مثليا أو منحرفا تماماً كما حصل مع عائلة لبنانية تعيش في بلد أوروبي. قررت الوالدة اصطحاب أطفالها الثلاثة (طفل بعمر السبع سنوات، طفلتان، الاولى تبلغ 5 سنوات والثانية سنتين) الى بلدها الأم لبنان. الا ان الوالد لم يستطع الحضور معهم، فماذا حصل؟ العلاقة بين أفراد العائلة كانت اكثر من ممتازة. لا مشاكل بين الوالد والوالدة. لا عنف مع الأطفال، لكن عائلة الوالدة في لبنان استغربت تصرفات الأطفال، خصوصاً "الصبي"، إذ لوحظ وضع اصبعه في مخرجه أكثر من مرة، خصوصاً خلال تغوطه، فضلاً عن وضع اصبعه في مخرج شقيقته (5 سنوات). عائلة الوالدة لاحظت أن هذا التصرف ليس بريئاً أو يندرج ضمن إطار اكتشاف الجسد، فتدارك الأمر شقيق الوالدة ودفع الأم نحو عرض أطفالها على أخصائية نفسية اكتشفت بعد فترة من العلاج أن الأب كان يتحرش بأطفاله الثلاثة والنصيب الأكبر لـ"الصبي" تحت عنوان "بابا عم نلعب". لم تتوقع الأم حصول مثل هذا الأمر في منزلها، خصوصاً أن الدين حاضر في المنزل والعلاقات الاجتماعية بين أفرادها بخير، ولم تكن تعطي تفسيرات غير طبيعية لما تشاهده من احتضان الوالد لابنه ونوم الاثنين في سرير واحد، والأهم أن الأم لم يكن لديها الوعي الجنسي لفهم ما يجري حولها نظراً لانتمائها إلى بيئة محافظة. الوالد وفور كشف حقيقة أفعاله، بعد اختبار أعدته الاخصائية للأطفال يتضمن الرسم، نكر الحقيقة، فاستطاعت الأم أن تعاقب زوجها وتحمي أطفالها بقرار جريء هو الانفصال. اليوم يخضع الأطفال للعلاج لاسيّما بعد انعكاسات سلبية عانوا منها كالتبول والتغوط اللااراديان. فلم يكن من السهل عليهم تقبّل قرار الأم بالانفصال، لأنهم وقبل معرفتهم حقيقة ما حصل أشعروا والدتهم بذنب "خراب العائلة" وابعادهم عن والدهم. إنهم يرون التحرش لعبة مع والدهم ولم تكن وسيلة أذية. "كفى" تعمل اليوم على معالجة الأطفال وهم بدأوا بفهم الواقع وتقبل ابتعاد والدهم، وان ما حصل هو اذية وليس لعبة!
التربية الجنسية داخل الأسرة
القصة روتها لـ"النهار" الأخصائية الاجتماعية والمسؤولة عن مركز الاستماع والارشاد في جمعية "كفى" ريما ابي نادر التي تعيد غالبية حالات التحرش إلى التربية داخل الأسرة أكان بالنسبة للمتحرش أو المتحرش به "لأن الأول ايضاً كان ضحية مأساة جعلت منه متحرشاً". وتقول ان "القضية ترتبط بالتربية الجنسية، واسلوب تواصل الاهل مع الطفل في المواضيع الجنسية من دون أي محرمات وبأسلوب توعوي ، لا خجل فيه، إذ لا بد للعائلة أن تتحدث مع الطفل، عن جسده وكيفية حمايته، وأن يتعلم كيف يقول للمعتدي...لا". "مجموعة كبيرة من الأطفال لا تدري الصح من الخطأ أو المسموح من عدمه، لهذا لا تستطيع حماية نفسها، خصوصاً إذا كان المعتدي من داخل البيت"، وفق ما تقول أبي نادر التي تشدد على أن "الطفل معرض للاعتداء وإذا لم يواكب المتحرش به اجتماعياً ونفسياً، والتوضيح له أن التحرش اذية، قد يتحول الأمر اضطرابا جنسيا في المستقبل". اما التربية في المنزل فهي الأساس، وفي الوقت عينه تشير أبي نادر إلى أن "النسبة الأكبر من التحرش بالأطفال تكون داخل الأسر وليس خارجها، ومن الاقرباء جداً، كالأخ أو الأب أو العم، ولأن هناك تابو "السترة أو الجرصة" لا يتم الحديث عن الموضوع، ويضرب الأهل في بعض الاحيان الفتاة الصغيرة محملينها المسؤولية بأنها "بهدلتهم".
خطوات التوعية
ومن أهم النقاط التي ذكرتها ابي نادر لمساعدة الاهل على حماية أولادهم من المتحرشين:
- عدم تعليم الطفل مخاطبة أهله في الأمور الجنسية، يسهّل من عمل المتحرش ويمنع الطفل من اعلام عائلته بما حصل معه.
- يلجأ المتحرش إلى أسلوبي الترغيب أو التهديد، إما بأن يعد الطفل باعطائه هدية مقابل ابقاء الأمر سراً، أو يهدده بقتل والدته مثلاً في حال أخبر عائلته بما حصل.
- الطريقة الصحيحة هي باجابة الطفل على كل اسئلته في شكل سليم، خصوصاً عندما يلمس الاختلاف في الاعضاء التناسلية بين "الصبي" والبنت.
- يجب التحدث مع الطفل عن تكوين جسمه، فضلاً عن ضرورة التزام الأهل أنفسهم بالنصيحة وبأمور متعددة أخرى، كعدم النوم مع الطفل بعدما يتجاوز عمره الـ 7 سنوات وتعويده على النوم وحده، وكذلك الاستحمام وحده.
- يجب عدم اقامة علاقة حميمة أمام الطفل، وفي حال كان البيت عبارة عن غرفة واحدة، فلا يجب اصدار الأصوات خلال العلاقة حتى لو كان الطفل نائماً، ويجب ألا يتعرى الوالدان أمام أطفالهم وإلا سيتصرفون مثلهما، فلا يمكن تعليم الطفل على حماية جسده وفي الوقت نفسه يظهر الوالدان جسمهما أمام أطفالهم.
- في حال نوم الفتاة وشقيقها في غرفة واحدة، هناك ضرورة لابعاد الصبي عن البنت بعد عمر معيّن، ولو لمسافة صغيرة في الغرفة عينها.
- يفضل عدم ارسال الطفل وحده الى الدكان لشراء الأغراض وتعريضه للخطر.
[email protected]