كانت الساعة متأخرة، عقاربها تدور، وعيوني محدقة بها وكأني أودعها، وأذني تترنم على دقاتها المزعجة المنتظمة، حيث عقاربها تمر مهلا وكأنها تعاملني بقسوة وعداوة، أحاول رسم ملامح مدينتي، فتخرج النجوم من أفلاكها والكلمات من منطقها، أغوص مجدّدًا في ماضيها، مستقبلها وحاضرها... أتنهد عميقًا وألتقط أنفاسي محاولًا أن اكتب متعمدًا برموز غامضة ولغة مبهمة حِرصًا وخوفًا أن يُساء فهم ما بين السطور من قبل فئة راقصي الأفاعي!!
ليظل سجلك، بلدتي الغالية، ناصعًا ورايتك مرفوعة، علينا أن نصون ونحمي بقايا وحدتك وحريتك، ولتبقي الأجمل والأنقى كالربيع في فصوله التربوية، الاجتماعية، والسياسية، ولنطلق في سمائك طيور التفاؤل لتحوم وترفرف بأجنحتها ولتغرد ليل نهار حتى ترحل تلك السحابة السوداء البغيضة التي تخفي أسرارًا ومشهدًا جديدًا، آملا ومتوسلا أن يحمل في طياته التحرر من ظاهرة تفاقم موجات الجهل والتخلف وحب الهيمنة بكلّ أشكالها التي أكل الدّهر عليها وشرب، وعليه علينا تجنيد كل طاقاتنا وإمكانياتنا للعمل بتفانٍ ونوايا سليمة على تعزيز ثقافة التسامح، وقبول واحترام الرأي الآخر، لأننا شركاء في النتائج والمصير وعلى عاتقنا ملقاة كامل المسؤولية.
إن ما يجري ويدور في واقع حياتنا بعيد كلّ البعد عمّا تقدّم، والمصيبة لا تكمن في ظلم الاشرار، بل في صمت الأخيار، صمت أهل الكهف الذين أعطوا الفرصة للببغاوات، للثرثرة وعزف موسيقى خارج الإيقاع وقد لاقت موسيقاه المزعجة، للأسف، آذانا صاغية وانسجامًا حتى شعاراتهم الرنّانة وعباراتهم المنمقة فاقت وتجاوزت كل الخطوط الحمراء وخرجت عن منطقها، وغدت أسهمهم خضراء سهلة الشراء والتداول؛ ليغرقونا ويبكونا ويورثونا بصمة عار أبديّة على جدار الحياة.
[email protected]