كنت آمل أن تنهي آخر الأيام الرمضانية بالتعبد والدعاء وبتربية أجواء التسامح والوداعة والود، ومن دون أن تلجأ إلى كتابة " ستاتوسات" مشبعة بالايحاءات السلبية ومحشوة بتهم تجافي الحقائق والوقائع، كما جاء فيما نشرته على صفحتك في الفيس بوك ضدي تحت عنوان: رجب أردوغان وكمال الخطيب وجواد بولس.
وبعد،
جاء ردك المذكور عقب نشر مقالتي الأخيرة بعنوان ، تركيا: فلسطين يوك إسرائيل يس. وفيها ذكرتك مع قيادات أخرى للجماهير العربية في إسرائيل كمن كان وما زال على علاقات مميزة مع النظام التركي وعلى رأسه أردوغان . كان كلامي موضوعيًا خاليًا من المس الشخصي أو التهجم ويعتمد على مواقفك المعلنة مثل تصريحاتك بتاريخ ٢٠١٥/١١/٢٠ ( محاولتك للخلط مع تاريخ مشاركتك في جنازة والدة أردوغان غير موفقه فكل من يعرف "الجوجلة" يستطيع بكبسة زر أن يعرف متى كانت الجنازة) وتعبيرًا عن موقف ومساءلتك عن تلك العلاقة الخاصة لا سيما بعد اتفاق المصالحة والتطبيع الذي وقعته تركيا/ أردوغان مع إسرائيل/ نتنياهو بنيت وليبرمان.
من حقك مناقشة ما كتبت، وهذا ما توقعته منك، لكنك بدل أن تفعل ذلك قمت بكيل الاتهامات متعمدًا شخصنة الموضوع، وهادفًا حرفه عن جوهره وزجه في ساحة حربك المريحة مع أعداء "إسلامك" الكثيرين، مؤملًا إعفاءك من الإجابة على ما احتواه المقال من تساؤلات صريحة مازالت صحيحة.
فبين الحقيقة والتجني تبقى الكلمة والصدق والرأي الصريح الحر. وأبدأ بما بدأت به أنت وكله كان تجنيًا، فلقد كتبت:
"من حق السيد جواد بولس أن يكره الرئيس أردوغان وأن يكره مقاومة غزة وأن يكره الاخوان المسلمين في مصر وأن يكره الحركة الإسلامية قبل الحظر وتستمر كراهيته لقادة المشروع الإسلامي بأشخاصهم.
تمامًا مثلما من حقه أن يحب مشغله أبو مازن باعتباره يعمل محاميًا لنادي الأسير التابع للسلطة الفلسطينية في رام الله ومن حقه أن يحب السيسي وانقلابه وأن يحب نظام بشار ودمويته". انها تجنيات بعيدة عن الحقيقة والواقع.
فأنا لا أكره الناس ولم أرضع حليبًا فاسدًا، لأنني نشأت في قرية وفي بيئة وعائلة وبيت لم يعرفوا الكراهية ولا الطائفية والفتن، بل عاشوا بفضاءات كلها مودة وتعاضد وعطاء، وروحها البساطة والاحترام وكما أوصتهم الأرض والسماء لم يتخذوا الدين مصدرًا للاسترزاق والإرتزاق، "فجبران" أخ حقيقي "لمحمد" و"خالد" سند "لمخائيل"، "ومصطفى" جار الرضا وقرة العين، وللجيرة حق يعلو ولا يعلى عليه. للوطن رفعة لا تجارى. للمروءة مكانة وصدارة وللصداقة وفاء ومناعة.
أنا لا أكره أردوغان ولا غيره كما اتهمتني جزافًا، بيد أن من حقي الاختلاف معه ومعك وهذا حق مصان بسنن البشر إلا عند من يعتقد، مثلك، أن للحقيقة وجه واحد وكل من يخالفها يكون كافرًا وعاصيًا وعدوًا.
لا أكره مقاومة غزة ولا الإخوان في مصر ولا في أي مكان آخر، مع أنني لا أتفق مع سياساتهم أو عقائدهم. فأنا إنسان حر وسيبقى مولاي عقلي وسيّد اختياراتي، ولذلك تجدني من الأوائل الذين كتبوا يوم ٢٠١٢/٦/٢٩ في مقالة بعنوان " القيادة بين حر الكلام وحرية الصمت" ما يلي : " نبارك لمصر ولشعبها إجراء أول انتخابات رئاسية حرة وديمقراطية ونبارك للسيد محمد مرسي نيله ثقة الأكثرية ممن شاركوا وأدلوا في أصواتهم ...". نعم باركت لمصر الحبيبة خياراتها وإن كان المنتصر فيها "مرسيّك"، فمصر هي الباقية والأدوم. فهل كنت ستفعل مثلي لو كانت النتائج معكوسة ؟
لم أعلن حبي للسيسي ولم أكره الحركة الإسلامية قبل حظرها ولا بعد الحظر بل كنت من القليلين من غير تابعيها، الذين كتبوا في مقالة بعنوان " رغم اختلافي معها أنا ضد القرار الإسرائيلي" حين نشرت يوم ٢٠١٥/١١/٢٠، وقلت بدون مواربة ولبس: "أوكد معارضتي لقرار الحكومة الإسرائيلية، على الرغم من اختلافي الكامل وشبه المطلق مع الحركة الاسلامية .." فهل كنت ستفعل مثلي بحق منع حركة مسيحية في دولة إسلامية؟
لن أدافع عمن هاجمت من أعلام العروبة والتاريخ العربي الحديث ( قسطنطين زريق، سلامة موسى، لويس عوض، ميشيل عفلق وجرجي زيدان) " الذين لفعوا عدائهم للإسلام بعباءة الاعتزاز بالقومية العربية"، كما كتبت، فمسيراتهم تشهد لهم وسيرهم حفرت، بما لها وما عليها، في صفحات الشعوب وستبقى محاولات طعنك وتحريضك عليهم ضربات في الهواء لن تقترب من قاماتهم.
أما عن موقفي من بشار وكرهي لغزة كما ادعيت، فلن أطيل وسأحيلك لعشرات المقالات التي كتبتها ولربما لم تقرأها أو أنك اغفلتها عمدًا، فعد واقرأ:
" إنها العاصفة" نشر بتاريخ ٢٠١١/٦/١٠. " هنا أولًا " نشر في ٢٠١١/١٠/٢٩.
"مقاسات ثورة" نشر في ٢٠١١/٢/١٨. " نحن مع غزة ولكن من معنا" نشر في ٢٠١٤/٨.
هذه عيّنة صغرى كتبتها في موضوعي الإحتلال الإسرائيلي وما يجري في بلاد العرب بما فيها سوريا الدامية وقد حظيت في حينه باهتمام المتابعين وأثارت نقاشًا.
ويبقى المستهجن وأخطر ما في كلامك هجومك غير المبرر على نادي الأسير الفلسطيني وتعييبك لي بعملي لديه لأنه بنظرك مؤسسة تابعة لسلطة رام الله ورئيسها أبو مازن. فموقفي من أبي مازن ليس من شأنك ولم يكن ذا علاقة في موضعنا، ومحاولتك الاستعانة به لتبرر تهربك من ضرورة شرح دعمك المطلق لتركيا وافتخارك بالحج إليها رغم صلحها مع حكومة إسرائيل الحالية وتوافقها معها على "الحامض والحلو"، لن تشفع لك. فأنت حر بإفتخارك بتركيا ولكن ليس من حقك التهجم على واحدة من أهم المؤسسات الفلسطينية الوطنية المقاومة لاحتلال إسرائيل حليفة "تركياك"، وأنا، وإن لم تعلم فاعلم، أفخر أنني مدير لوحدة قانونية يعمل فيها عشرات المحامين الفلسطينيين في خدمة آلاف من أسرى الحرية الفلسطينيين . ونحن في مؤسستنا لا نفرق بين فتحاوي أو حمساوي أو جبهوي، ونعتبر كل من وراء القضبان إخوانًا لنا وأنصحك أن تسأل المناضالين والمشايخ ومنهم : عباس السيد ومحمد عمران وابراهيم حامد وسعيد عرار وعبدالله البرغوثي واسلام جرار ومعمر الشحرور .
لم يزعجني ما كتبته بل أقلقني، فما كان أسهل قبل أن تطلق سهامك أن تسأل تلك القوافل من آلاف الفلسطينيين الأحرار عن نادي الأسير الفلسطيني وعني وقد شرفوني بالدفاع عنهم ، جيلًا بعد جيل، وهم مناضلون أعلام سطروا مواقف العز والفخار ومنهم : الشيخ الدكتور إبراهيم أبوسالم والشيخ جميل حمامه والشيخ حاتم قفيشة ود.محمود الرمحي والشيخ حسن دار يوسف والشيخ فضل حمدان وجمال الطويل والشيخ جمال نعمان النتشة وعمرالبرغوثي والشيخ ماهر عبيد والشيخ صالح العاروي والشيخ صالح معطان والشيخ خضر عدنان وجعفر عزالدين وثائر حلاحلة وبلال ذياب وطارق قعدان ومحمد القيق ومحمد علان وأيمن الشراونه ومن قبلهم الشهداء عادل عوض الله ويحيا عياش وأشرف أبو ذريع وميسرة أبو حمديه.
ولربما لم تعرف أنني كنت منذ يوم انبلاجها وانطلاقها في أواخر الثمانينيات أول مستشار معتمد لحركة المقاومة الإسلامية ( حماس) فرافقت مسيرتها قبل أيام "مرج الزهور" وبعده في مسيرة طويلة لقادة الحركة الميامين وجنودها في الماضي وفي الحاضر.
فمع هؤلاء وآلاف مؤلفة من أمثالهم وقفت وما زلت، وعنهم دافعت أمام محاكم الاحتلال وما زلت، لأنني لست ممن يؤمنون أن بالعظات وحدها من على المنابر تحرر فلسطين وتحمى كرامة شعب ويبزغ فجر الحرية.
لك أن تبقى أينما تريد وأن تحج إلى تركيا كما تشاء،أما أنا فلن أحج إليها ولا إلى واشنطن وموسكو وروما وتل أبيب، فحريتي حصني وقلبي خيمتي وضميري وسادتي، وسلامة من يتقنون دروب الحج والنضالات المنبرية ومن لا يعرفها فعليه بأردوغان وحلفائه في تل أبيب.
وأخيرًا، أيعقل أنك لم تعرف جميع هذه الحقائق عندما كتبت ما كتبته في حق نادي الأسير وفي حقي ؟ واذاحقًا لم تكن على علم ألديك اليوم استعداد كي تعترف أنك لم تكن تعرف وأن تعتذر من نادي الأسير الفلسطيني وما قلته في حقه جزافًا ومني على ما اتهمتني به من اتهامات غير صحيحة؟
لقد أسفت لكلامك ولم استفز، كما افترضتٓ، ولم تقلقني صراحتك فما قلته بحقي وبحق نادي الأسير كان تشهيرًا وليست صراحةً، ما أقلقني هو وقع كلامك في نفوس من يؤمنون بك وبما تقوله، فكلامك، سواء قصدت ذلك أم لم تقصده، يؤسس لفرقة بين البشر وعداوات قاتلة وحروب مؤجلة تماما كتلك التي نشاهدها بين الاخوة العرب، ( انظر لتعليقات طلابك في ذيل ذلك الستاتوس) على هذا أسفي ووجعي، لكنني أعود وأوكد أنني من ديرة لم ترب أبناءها على الحقد ولا على التفرقة الدينية أو العرقية أو الجنساوية فلقد ولدت انسانًا يحترم أخيه الإنسان مهما اختلفنا وإن كان حول صوت السماء وحقيقة المطر فستبقى الأرض أمنا وإن طرنا حتى القمر.
عرفت أئمة كثيرين ومشايخ من بلدي وغيرها كانوا لنا ولأبناء جيلي قدوات للخير ومنارات أضاءت طرقاتنا التي أراد كثيرون من أعدائنا أن تبقى وعرة ومظلمة فلهم ولك ولجميع المسلمين ولنا أتمنى عيدًا سعيدًا وحياة كريمة وليعيده الله علينا ونحن مع أمنا الأرض، فوقها وعليها.
أرفق ما كتب الشيخ كمال الخطيب بهذا الشأن:
https://www.facebook.com/Kamal.Khateb48/posts/1718105061762878
[email protected]