أهداني مشكورًا الصديق الحميم،الباحث د. محمد صفوري نتاجه الأدبيّ الثالث بعنوان"ما بعد الحكي"الصّادر عن مؤسسة الأفق للثقافة والفنون في حيفا.
يميّز الكتاب أناقة الإخراج، حسن الإصدار، ورصانة الفحوى، وهذا ليس بغريب على كاتبنا الذي عوّدنا دائمًا على أسلوبه المميّز، ونهج تعامله مع مجتمعه وطلابه.وقد حوى الكتاب 225 صفحة من الحجم المتوسط، يضمّ بين دفّتيه مجموعة من المقالات القيمة تتناول نتاجًا أدبيًّا لعدد من المبدعين والمبدعات من الأقطار العربية ومن بلادنا. كانت قد كُتبت في فترات مختلفة من القرن الحادي والعشرين، حسب تصريحه في المقدّمة، وتمّ نشرها في المجلات والصحف المحليّة .
توزّعت مباحث الكتاب على خمسة محاورهي: فن الرواية والسيرة الذاتية متفرعًا إلى ستة أبواب، فيرصد في خمسة منها خمس روايات متنوعة لمبدعين مختلفين من العالم العربيوالمبدعين المحليين، ويتطرق في الباب السادس إلى فن السيرة المتداخل مع تقنيات الرواية.
ينصب الاهتمام في المحور الثاني على فن القصة القصيرة المحلية معالجًا أربع مجموعات قصصية لثلاثة مبدعين محليين، ومعرجًا في بابين آخرين بالبحث والدراسة، على قصتين منفردتين لاثنين من أعلام كتاب القصة القصيرة المحلية.
ثم تتحوّل العناية في المحور الثالث إلى فن الشعر، وتدور رحاه في بابين أحدهما يتناول ديوان "ويكفي أنها بلدي لأهواها" للشاعر الشفاعمريّ المرحوم إبراهيم بحوث ص 194 ، والثاني يتقصى جماليّات الشعر في ديوان "ماتيسّر من عشق ووطن"للشاعرالشفاعمريّ نزيه حسون ص181 .
أمّا المحور الرابع فكان من نصيب الفن المسرحيّ ووزع على بابين : الباب الأوّل يصوّر انطباعات الكاتب الأوليّة بعد مشاهدته مسرحيّة "اعترافات عاهر سياسي" ، ويعالج الباب الثاني المسرحية ذاتها بعد نشرها، محاولًا تقصي مقوّماتها وتقنيّاتها الفنية. ثم يأتي المحور الخامس ليختتم الكتاب، فيتمركز في النقد الاجتماعيّ السياسيّ، ويتشكل في بابين؛ الأوّل مقاربة لكتاب "عجايب يا صندوق" للكاتب الشفاعمريّ زياد شليوط، وفي الباب الثاني يستعرض مضامين الكتاب وجماليّاته الأسلوبيّة بآليات أكاديمية صرفة.
في صفحة 60 يعالج الكاتب رواية"جنين 2002" لأنور حامد،تصور هذه الرواية الإجماع الوطنيّ الإسرائيليّ حول مهاجمة مخيم جنين، بؤرة العمليات التخريبية، وتدور أحداث الرواية التي تعكس قدرة وقيمة أدبيّة وفنيّة عالية تتمثل في جوانب كثيرة، بالإضافة إلى تقنيات متشعبة ومختلفة، برز منها، بشكل واضح، أنها تميزت بتصوير واقعيشبه ويطابق الحقيقة. وتدور أحداثها حول محورين: الأول يتعلق بشاب يهودي إسرائيلي يدعى " ديفيد " والآخر يرتبط بشابة فلسطينية هي " أريج الشايب " حيث تولّت قضايا عديدة ومختلفة. ما يجمع بين هذين المحورين – قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وممارسات السلطة الإسرائيلية ممثلة بالجيش ضد الشعب الفلسطيني الممثل بسكان مخيم جنين . ومحاولات تلك السلطة لتغيير الحقيقة التاريخية في هذه البقعة من الأرض .
وفي صفحة 115 نقرأ عن جماليات القصص عند زكي درويش في مجموعته " ثلاثة أيام ".يعالج المقال جماليات القصص عند الكاتب حيث يَبين التآلف البارز بين الشكل والمضمون، كما يكشف عن اللغة العادية البسيطة البعيدة عن الزخرفة اللفظية. إنها لغة تتميز ببساطتها،وقوّة سبك أحداثها، والتوافق بين اللفظ والمعنى حسب ما تنكشف في نسيج قصص المجموعة، ممّا يؤكّد مكانة الكاتب الرفيعة لا على الساحة الأدبية المحلية فحسب، إنما على الساحة الأدبية العربية عامةً.
ألف همسة شكر وعرفان للكاتب الباحث الأخ محمد على هذا المجهود آملًا ومتمنيًا له مواصلة مسيرة العطاء المثمرة ، وأن يكون كتابه هذا فاتحة لنتاجات أخرى قادمة.
[email protected]