هرمنا من كثر الحديث عن الاستثمار في فلسطين
منذ قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية و تسلمها ذمام الحكم في قطاع غزة و الضفة الغربية وفي ظل الاوضاع الاقتصادية المتردية , الكل كان يعول على الانفتاح الاقتصادي للدول العربية و الاجنبية من خلال فتح أسواقها أمام المنتجات الفلسطينية لزيادة حجم الصادرات الفلسطينية , ولجلب الاستثمارات العربية و الاجنبية إلى فلسطين من خلال مشاريع استثمارية كبرى قادرة على دفع عجلة الاقتصاد الفلسطيني نحو النمو و التطور.
لكن للأسف الشديد لم يتم تحقيق أي نتائج مرجوة خلال العشرين عام الماضية , بل وصلنا إلى أوضاع سياسية و اقتصادية سيئة جدا , فحجم الصادرات السنوية من المنتجات الفلسطينية يكاد لا يذكر , ولم يتم إنشاء أي مشاريع استثمارية إستراتجية ذات تنمية مستدامة تساهم في خفض معدلات البطالة و الفقر الكارثيه في فلسطين.
وخلال تلك السنوات تعالت الاصوات المنادية و المطالبة بالاستثمار في فلسطين في كافة المحافل العربية و الدولية , بل ذهبنا إلى أكثر من ذلك بعقد مؤتمرين للاستثمار الاول في عام 2008و الثاني في عام 2010وتم صرف ملايين الدولارات على المؤتمرين , و في اعتقادي بأنة يجب قبل المطالبة بالاستثمار في فلسطين أو عقد أي مؤتمرات جديدة , يجب دراسة نتائج المؤتمرات السابقة التى عقدت و طرح العديد من الاسئلة و اهمها:
هل تم متابعة نتائج المؤتمرات السابقة من قبل جهات الاختصاص؟ , ما هو عدد المشاريع الاستثمارية التى تم تحقيقها من خلال تلك المؤتمرات؟ , ما هو أثرها على الاقتصاد الفلسطيني؟ , وفي حال عدم تحقيق نتائج هل تم دراسة المعيقات التى تعرضت لها تلك المشاريع في سبيل التنفيذ؟ , وبالرغم من الدعوات المستمرة للاستثمار في فلسطين إلا أن أرصدة الأصول الفلسطينية المستثمرة في الخارج تجاوزت 6 مليار دولار في نهاية الربع الرابع من عام 2013.
و السؤال المهم هنا و الذي يحتاج إلى إجابة من المسئولين وأصحاب القرار و المطالبين بالاستثمار في فلسطين , كيف لنا أن نشجع و ندعو إلى الاستثمار في فلسطين ونحن نستثمر ما يزيد عن ستة مليار دولار بالخارج ؟.
إن قطاع الاستثمار في فلسطين بشكل عام و في قطاع غزة بشكل خاص يعتبر من أكبر القطاعات الاقتصادية التى تضررت خلال السنوات السابقة حيث أصيب بانتكاسة كبيرة نتيجة لسياسة الحصار المالي والاقتصادي الإسرائيلي و إغلاق المعابر حيث أن تدمير هذا القطاع هو أحد أهم أهداف السياسة الإسرائيلية الراهنة وتعد خسائر قطاع الاستثمار من أسوأ الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الفلسطيني خلال السنوات السابقة و تركت الحروب المتكررة على قطاع غزة أثار سلبية على قطاع الاستثمار المحلى والعربي والدولي و التي تمثلت في هروب العديد من رؤوس الأموال المحلية للدول المجاورة للبحث عن الاستقرار السياسي والاقتصادي , هروب العديد من الشركات الأجنبية العاملة في المجال الاستثماري في فلسطين و إلغاء استثمارات أجنبية وفلسطينية وعربية كانت تحت الإعداد النهائي مع توقف العمل في توسيع المناطق الصناعية الحرة والعديد من المشاريع الاستثمارية.
و اليوم و بعد سبع سنوات من الحصار و توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية و أصبحان قاب قوسين من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أصبح من الضروري أن يكون من أهم أولويات الحكومة القادمة وضع اللبنة الاولى للاستثمار الحقيقي في فلسطين مع التركيز على الاستثمارات في قطاع غزة حيث أنة بحاجة إلي الاستثمار الحكومي و الخاص في كافة القطاعات كالبنية التحتية , النقل و المواصلات , المطار , الميناء , القطاع الصناعي , القطاع الزراعي , قطاع السياحة , التعليم , الصحة , الكهرباء و المياه و لكن يبقى السؤال الهام جدا هل توجد ضمانات بالا يقوم الاحتلال بتدمير ما سوف ينجز كما حدث خلال العشر سنوات السابقة من خلال الحروب المتكررة والتى استهدفت إسرائيل فيها العديد من المشاريع الاستثمارية و السيادية و منها مطار ياسر عرفات الدولي , محطة غزة لتوليد الكهرباء , منتجع الواحة السياحي و العديد من الفنادق السياحية , منطقة غزة الصناعية , منطقة بيت حانون الصناعية و أكثر من 1500منشأة اقتصادية تم استهدفها هذا بالإضافة إلى تجريف مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.
و لإعادة الثقة في الاستثمار في فلسطين يجب اتخاذ العديد من الخطوات و التي من أهمها:
-
يجب الحصول على ضمانات دولية بألا تقوم إسرائيل بتدمير ما سوف يتم إنجازه , و فتح كافة المعابر الحدودية أمام حركة الأفراد و الواردات و الصادرات من البضائع .
-
تطوير قانون تشجيع الاستثمار الفلسطيني لكي يشكل مناخا استثماريا جاذبا ومنافسا للدول المحيطة و يواكب المتغيرات الجديدة في اقتصاديات العالم و تشجيع الاستثمار في فلسطين وذلك بإعطاء المحفزات الضريبية وغيرها للمستثمرين المحليين والأجانب للاستثمار في فلسطين , و العمل على تطوير منظومة التشريعات الخاصة بالاستثمار وعلى تبسيط الإجراءات التي تعيق الاستثمار.
-
أهمية وجود دور فاعل للملاحق التجارية في السفارات و القنصليات الفلسطينية في ترويج و تسويق الاستثمار في فلسطين مع توفير كافة المعلومات الخاصة بذلك.
-
يجب تكاتف كافة الجهود للقطاع العام و الخاص للتحضير الجيد لعقد مؤتمر حقيقي للاستثمار في قطاع غزة , يتم دعوة كافة رجال الأعمال العرب و المسلمين للمشاركة في المؤتمر بحضور شخصيات دولية وعربية وإسلامية لتوفير البيئة الملائمة لجلب الاستثمار مع تجهيز بنك معلومات حول المشاريع الاستثمارية التي تحتاجها فلسطين و خصوصا قطاع غزة في الفترة القادمة لعرضها على المشاركين في المؤتمر مع المراعاة بطرح مشاريع تحمل صفة الديمومة وتشغل أكبر عدد من العمال للتخفيف من حدة البطالة المرتفعة في فلسطين والتى وصلت إلى 26.2%حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل 328ألف شخص في فلسطين خلال الربع الأول لعام 2014، منهم حوالي 147,800ألف في الضفة الغربية وحوالي 180,200ألف في قطاع غزة , و ما يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة حيث بلغ المعدل 40.8% في قطاع غزة مقابل 18.2%في الضفة الغربية , وسجلت الفئة العمرية 20- 24سنة أعلى معدلات للبطالة حيث بلغت 43 % في الربع الأول لعام 2014.
-
دعم الاستثمارات المحلية و تشجيعها لتساهم في إعادة بناء الثقة للاستثمار و التي من أهم عوامل نجاحها التواصل بين قطاع غزة و الضفة الغربية دون تدخل الجانب الإسرائيلي في ذلك .
-
ضرورة تعزيز دور القطاع الخاص الفلسطيني من خلال إشراكه وبصورة فاعلة في العملية التنموية و التشاور مع ممثليه في كافة القوانين و التشريعات و الاتفاقيات التي تخصه و العمل على تطوير مؤسسات القطاع الخاص الفلسطيني لتمكينها من خدمة أعضائها وتمثيلهم بصورة فاعلة محليا و عربيا و دوليا.
-
ضرورة المطالبة الفورية بتنفيذ قرارات مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد في الثاني من مارس 2009بعد الحرب الاولى على غزة , حيث تعهد المانحون خلال المؤتمر بتقديم 4.5مليار دولار لإعادة إعمار قطاع غزة , لم يصل منها شيئا حتى الان.
-
ضرورة إنشاء هيئة خاصة لإعادة إعمار قطاع غزة ممثلة من القطاع العام والخاص وكافة الجهات ذات الاختصاص.
د. ماهر تيسير الطباع
خبير و محلل اقتصادي
[email protected]