إنّ الله، عزّ وجلّ، خلق خَلقه في ظلمةٍ، فألقى عليه من نوره، فمن أصابه ذلك النّور اهتدى، ومن أخطأه ضلّ. كذلك جعل الباري للعبد مشيئة واختيارًا وإرادة بها يختار مسلك الخير أو الشرّ ويتصرّف كما يشاء، وعلى أساسها يُحاسب على اختياره وأفعاله يوم الدّين. والسّاعة آتيةٌ لا ريبَ فيها.
لشخصيّة الإنسان أبعاد متشعبة منها كونه فاعلا مختارا في ما يفعل، أو كونه مُسيّرا قد رسم مصير حياته بيد القدر.
كثر الجدل والنّقاش حول هذا الموضوع البالغ الأهمية، وأثره على حياتنا اليومية، فقد اختلف العلماء في الفرق بينهما. فمنهم من قال إن القدر تقدير الله الأزل والقضاء حكم الله للشيء عند وقوعه. ومنهم من قال واعتقد أنهما بمعنى واحد ولا يصح لفظ مخير ومسير، ولا يصح أيضا إطلاقهما، فلا يقال إنسان مسيرٌ ولا يقال إنه مخيّر بل هو محكوم بقضاء الله وقدره . فالقول بأنه مسير كأنه ملم على الأفعال دون إرادته . ومخير كأن عنده إرادة مطلقة، لا تتعلق بإرادة الله وخلقه وكأن الله لا شأن له بفعل العبد، وهذا غير دقيق،فالإنسان مُسير في غير الأمور الإرادية، كيف يرزق متى يفارق الحياة وحركة أللاّ إرادية في خفقان قلبه أو حركة دمه على هذا مُسير فيها ؟
والإنسان مخير وميسر ومسير فيما لا يعلم، وأيضا مسير لما خلق له. أما كونه مخيرًا فيما لا يعلم فلأن الله أعطاه عقلا وسمعا وإرادة ليميز بهما الخير والشر ، وما يلائمه أو لا يلائمه، وإن كان مخيرًا فهو مخير في كل شيء أو مسير في أشياء، فعلى سبيل المثال فلا يكون مخيرا أين يولد، ولمن يولد، وهل يولد أنثى أم ذكرًا، وما لونه وشكله . لكنه مخير في كل تصرفاته وسلوكه ومسير ومخير فهو مسير وميسر يحب ما قضي من قدر الله فان الله قدر الأقدار وقضي ما يكون في العالم قبل ان تخلق الأرض والسماء .
قال تعالى : "هو الذي يسيركم في البر والبحر "
وفي اية القصص (68) : " وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ "
أكد فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، في كتابه القضاء والقدر الذي تطرق إلى موضوع الإنسان أمسيّر هو أم مخير" لو كان في ظاهر الحياة .أن الإنسان يرى نفسه مجبرا على كل أعماله، لما نشأت فكرة: أهو مخير، ولو أنه مخير في كل أعماله لما نشأت فكرة: أهو مسير؟ إذا فالإنسان يجد أفعالا كثيرة تحدث فيه بدون اختيار منه، فيرى أنه ما دام لم يوجد له اختيار فهو مسير فيها، وأشياء كثيرة تقع على حسب ما قدر واختار، يريد أن يلبس بدلة لونها كذا، يريد لأن يأكل طعاما شكله كذا، يريد أن يتعلم في مدرسة كذا، يريد أن يعمل كذا، فتقع الأمور كما يقرر أو قريبا ممّا يقرر، إذا فهناك أمور للاختيار علاقة فيها، وأمور ليس للاختيار علاقة فيها ومن هنا نشأت المشكلة".
رماح، تنهي بهذا الدّعاء : " اللهمّ إني اسألك صبر الشاكرين لك، وعمل الخائفين منك، ويقين العابدين لك، اللهمّ أنت العليّ العظيم، وأنا عبدك البائس الفقير"
اللهمّ تقبّل منا، أنت السميع العليم ...
[email protected]