شكلت مصر وعلى مدار عشرات السنوات، امل الامة العربية وشعوبها المختلفة، خاصة للشعب الفلسطيني ومنذ النكبة، وقد نظر الشعب الفلسطيني وخاصة ممن تبقوا في وطنهم واصبحوا مواطنين في "دولة اليهود" الى القيادة المصرية على انها قائدة الامة ومحررتها من الاستعمار، اما الى الشعب المصري فنظروا نظرة اخوة كبيرة.
فالثقافة المصرية اثرت وتؤثر على المجتمع العربي في اسرائيل بشكل كبير، وعلى مدار عقود كانت مصر المنفس العربي الاول والوحيد لهم، فلكنا تابعنا كل ما خرج من ثقافة في مصر، كتب واصدارات وصحافة واعلام واغاني حب وعشق وغرام وقومية الى الافلام المصرية وحتى الرقص الشرقي.
هذا الاسبوع اقامت فرقة "سيراج" للموسيقى، باكورة اعمالها الفنية المسرحية الغنائية ل "شيوخ الطرب" وهي تعاون مع الفنان امر حليل وايمن نحاس وموسيقيي الفرقة بقيادة المايسترو سامر بشارة، وهي تحكي قصة كبار الفنانين المصريين "شيوخ الطرب" مثل سيد مكاوي، سيد درويش ومحمد القصبجي وزكريا احمد، واحمد فؤاد نجم وغيرهم ممن ساهموا بتأسيس الموسيقى العربية الكلاسيكية
العمل تفوق كمعلومات وثقافة وحنين لمصر "ام الدنيا" ولثقافتها اكثر مما تفوق فنيًا، رغم ان كاتب النصوص وصاحب الدور الرئيسي الفنان عامر حليل، ابدع في دور شخصية الفنان المصري، يونس ابو اللبن، صاحب الجدور الفلسطينية والذي خرج مع عائلته من يافا ابان النكبة ليستقر في مصر.
حضرت العرض، تمتعت من كل لحظة، وكان اكثر ما يؤسفني في هذا العمل الفني حقيقة انه يقام في مدينة كرميئيل وليس في مدينة عربية، من الممكن ان نفتخر بالعمل ومكان اقامته، وطبعا الاسباب واضحة وهي انعدام حتى قاعات بإمكانها استيعاب مثل هذا العمل الفني وهذا الكم من متعطشي الثقافة وهذا اللون من الموسيقى والثقافة.
يعود العمل بنا الى عشرات السنوات، ويحي ذكرى لشيوخ الطرب الاصيل، ويقوم المبدع عامر حليحل بسرد معلومات قيمة وجديدة وهامة عن حضارتنا وموسيقانا العربية التي نغنيها كل يوم ونطرب لسماعها ولا نعرف مصدرها او القصص الخفية التي كانت خلف كل اغنية وكل لحن.
احدى اخفاقات العرض هو الحوار باللهجتين، المصرية والفلسطينية، بين المايسترو سامر بشارة، بلهجته الفلسطينية الجليلية، وبين يونس ابو اللبن الذي رافق كبار شيوخ الطرب وتحدث باللغة المصرية، حينًا بشكل فكاهي وحينًا بشكل جدي، فكل واحد تحدث بلهجة مختلفة لكن اللهجة المصرية رغم انها تفوقت الا ان الحوار باللهجتين منع الحضور من عيش الدور والجو المصري للنهاية، كان من الافضل ان يتحدث بشارة ايضَا اللهجة المصرية، ليمنح الحضور ان يعيش حسيًا في مصر بسنوات الخمسينات والستينات ولو لمدة ساعة ونصف الساعة.
كان ملفت جدًا اداء الفرقة بشكل جماعي لكن الاداء الفردي للمغنيين والمغنيات لبعض الاغنيات كان رائعًا فعلًا، ولفت نظري محاولة المخرج ايمن نحاس تجسيد الماضي من خلال ملابس المغنيين ووضع الطربوش على رؤوس العازفين مما يوحي ويجسد ذلك الزمن الجميل.
العرض يجب ان يكون الزاميًا لكل المدارس العربية، لأنه يساهم في سرد الثقافة والحضارية العربية بشكل كبير، وهو امر بلا شك ينقصنا في هذه المرحلة وخاصة للجيل الجديد، فحبذا لو متخذي القرارات في المجتمع العربي يقوموا بمثل هذه الخطوة من اجل الجيل القادم ولا يقل اهمية ايضًا من اجل تعزيز هذا العمل الفني وتعزيز كل الموسيقيين والفنانين الذين ساهموا بإخراجه، كي لا نصل بعد سنوات الى مرحلة تقول بها الاجيال القادمة نشتاق الى الزمن الاصيل الذي به غنت هيفاء وهبة وعبد الله بلخير وروبي.
[email protected]