في ليلة شبه خمسينية، قالت لي حفيدتي لمى "لموش"، معبّرة عن استيائها وانزعاجها من البعوض الذي يتناوب عليها بكثرة، والذي يعود سببه إلى المستنقعات والمياه الراكدة والقاذورات التي انتشرت في كل شارع وزاوية. أجبتها: يا لموشتي! عليك أن تفهمي أنه مهما قتلنا هذا البعوض والذباب فلن يزولا ما دام المسبب موجودًا، وعلينا أن ننظف أشياء لا تحصى ولا تعد في مجتمعاتنا المليئة بمثل هذه المستنقعات والنفايات قبل محاربة البعوض والذباب، الذي يمكن أن نحاربه بالمبيدات وتجفيف بؤر المياه للمحافظة على بيئة نظيفة.
مهلا عزيزي القارئ، لا تتسرع وتسِئ تفسير المقصود! ما أقصده أقوله بكل ثقة ومسؤولية؛ نحن بأنفسنا أخطر بعوض ومصدره في مجتمعاتنا؛ وذلك في نهج، مسلك، ونمط تعاملنا في حياتنا اليومية، طاعتنا العمياء، دعمنا ومناصرتنا لرجال السياسة والسياسيين وأصحاب المراكز والأموال بكل ثمن، ومهما كانت النتيجة، علمًا أنهم على ثقة بأنهم على خطأ ودعمهم لا يخدمهم، ولا يخدم مصلحة المجتمع، بل يزيد الطين بلّة، ناهيك عن مظاهر وأشكال العنف اليومية وهيمنة جهات مستبدة لا تعرف معنى الرحمة وقيمة الإنسان وقدسية الحياة !
هذه الظاهرة، لا يمكن محاربتها بكل مبيدات الدنيا مهما كانت فعالة ومتطورة، إلّا بتغيير جذري في نفوسنا واخلاقنا وتربيتنا، وتوفير النوايا لمحاربة النفاق والنميمة الخداع والتلوّن.
نعم، مجتمعنا بنفسه ليس فقط مستنقعًا، وإنما محيط من المستنقعات، يحوى كل أنواع البعوض السامة والقاتلة، التي علينا محاربتها وتجفيفها اليوم قبل الغد حتّى لا تعود مثل ذلك البعوض للظهور من جديد، وتزعج ليس فقط حفيدتي، وإنما كل الصغار والكبار والمجتمع بأسره.
"قالت لي حفيدتي: سيدي! مفهمتش من اللي قلتو ولا كلمة!" جاوبتها: "معك حق ولا أنا سيدي .....!"
نعم، هذه مهمة ليست بسهلة وبسيطة ولا تجد حلًّا بكبسة زر! ملقاة على عاتقنا جميعا كأفراد مجتمع وكافة المؤسسات والدوائر على حد سواء، مسؤوليّة محاربتها وضرورة الإسراع بوضع خطط مدروسة واستراتيجية واضحة لغرس روح التوعية والتربية السليمة.
رماح تقول: لا يمكن الرجوع إلى الخلف؛ نندب ونبكي على الماضي، ولكننا نعم، نستطيع وبكل ثقة وعزيمة ونوايا أن نبدأ من اليوم حتى تحقيق أملنا المنشود، لننعم معًا بغد مشرق خالٍ من كل أنواع البعوض السامّ والمبيد!
[email protected]