حمل الصغار طبق الفواكه المشكلة الذي قطفناه عصرا من حديقة المنزل ..صعدوا به إلى السطح كي نقضي سهرة جميلة في جو صيفي ممتع
تعمدت أن يكون سور بيتي يشبه الغابات ..سورته بالورد الجوري والصبار الذي لا يستطيع اختراقه حيوان مفترس وزرعت حوله كل ما تشتهر به مدينتنا من أشجار مثمرة ..شجرة الصنوبر ظلت تتمطى حتى صارت بمحاذاة السطح.. كذلك شجرة التوت بشقيها والأحمر والأبيض.. الهواء بغازل شجرة الجوز لتتمايل فوق عرائش العنب ..فتصطفق الغصون وتطرب لهذا الغزل اليومي.. فتغني له أشجار المنغا ..والتفاح والرمان.. والكرز الذي لا يضاهيه كرز في العالم ..والكثير من الأشجار
الياسمينة البيضاء ..تهز خصرها النحيل بغنج ودلال فتتساقط الزهور على الشرفة التي غطتها بأغصانها الخضراء المتسلقة.. ينتشر عبيرها لينعش الفؤاد ..ويبعث في النفس الراحة والطمأنينة
لملمت صبا بعض الأزهار المتساقطة جمعتها بكفيها الصغيرتين وصعدت بها الى السطح ..لتنثرها على الطريق المحاذية للبيت بعدما تتنشق رائحتها الذكية
ثم تعود لتقلد إخوتها في مشيتهم ذهابا وإيابا.. يتأبطون ذراع بعضهم البعض ..الحسين يغالب نعاسه كي لا تفوته متعة السهر ..فيركض هنا وهناك ..يشاكس صبا بين الحين والآخر وحين يتعب يأتي إلي لأضمه ويرتاح في حضني
أحاديث الأطفال مسلية وشائقة وفيها المتعة والسخرية ..وذكريات تعبق بالمحبة والحنين
جل اهتمام مجد أن يثير غضب هيفاء لتبكي ..وتلاحقه قليلا ..ثم تهدأ.. وصبا تلازمني أغلب الوقت وتنهال علي بوابل من الأسئلة ..منها ما أجيب عليه ومنها ما يحيرني ويجعلني أتهرب من جوابه.. تحدتني عن رفاقها في المدرسة ..وعن أولاد الجيران كيف يكذبون على أمهم حتى لا ينالهم عقابها ..لو فعلوا شيئا يستحق العقاب.. ثم تأخذ بعض حبات الفواكه وتوزعها على إخوتها.. الذين يتمازحون قليلا ويتراكضون قليلا حتى ينال منهم التعب والنعس
اليوم رغم طوق الأشجار الكثيف حول المنزل الا أن حرارة الجو واضحة.. الهدوء يعم أرجاء القرية ..وصوت أم كلثوم ينبعث من موبايلي وهي تغني ..الليل ..الليل.. ودقت الساعة تصحي الليل ..كلمات تجعل لليل نكهة مميزة مع موسيقاها العذبة أسندت رأسي على حافة الشرفة وأنا أسرح بين النجمات العاشقات للقمر وأسلمت جسدي لحالة تأملية.
مجد لازال يرمي بغلاظته على إخوته رفع رأسه الى السماء ثم سبابته وصاح باستغراب ممزوج بالخوف.. انظروا إلى ذلك الطائر كم هو كبير ..أصبنا بالخوف والذهول جميعا يا لله طائر يحلق في أعالي السماء بتثاقل لونه أسود وجناحاه تميل للرمادي حجمه حجم أضعاف منزلنا الريفي رغم بعده عن الارض ..كم كنا نسمع عن القصص الخرافية وعن الغول الذي يلتهم الناس في وحشة الليل ..وعن المغاور والكهوف التي تختزل بداخلها أعاجيب لا تصدق.. قلت لأولادي لا تخافوا وأبقوا في أماكنكم.
رغم الخوف الذي اخترق قلبي لما راودتني من أفكار مخيفة بشأن الطائر الذي كلما حرك جناحاه تنبعث نسمات الهواء ماذا لو هبط على سطح الأرض فسوف يغطيها بالكامل.. وكلنا نعلم أن الطائرة بحجمها الكبير مهما حلقت على علو منخفض لا يبلغ حجمها للرائي حجم خزان ماء سعته عشرين برميلا أما الطائر. حجمه الكبير واضح جلي رغم بعد المسافات في الفضاء.. راودتني أسئلة كثيرة.
ترى هل هو حقيقي ..أم من صنع البشر.. لكنه يبدو ا حقيقيا يحرك رأسه بجميع الاتجاهات عيناه تجوبان الأرض وجناحاه تحرك مسار الهواء ..المنظر شديد الغرابة ..الرعب باد على وجوه أطفالي ...يغطي حسين عيناه الصغيرتين ومجد يتمنى لو أنه على ظهر الطائر يحلق كالسندباد ..قالت صبا ..ماما أرجوك هيا ننزل قبل أن يأكلنا جميعا ..وأيدها حسين ..قلت لهم ونحن نراقبه لا تخافوا ..إنه إحدى عجائب الله التي لاتعد ولا تحصى ..أو ربما هو من صنع البشر اللذين يقضون حياتهم بالبحوث والتجارب العلمية ..فكم من العلماء اخترعوا أشياء عجيبة كان لها أهمية في حياتنا ..سوف تمر معكم في مراحلكم المدرسية ..كالسفينة والطائرة ..وأشياء كثيرة ..وكلما تطور العلم والمعرفة يخترع الإنسان أشياء جديدة.
كنت أخفف عنهم هول المنظر لكن الأفكار مازالت تراودني...ربما.. وربما.. وربما.. والطائر يحلق بعيدا والدهشة تعقد أفكارنا المشتتة . نهرتني صبا وهي تقول ..ماما ..هيا ننزل إلى الأسفل رفعت رأسي نظرت حولي الوقت يقترب من ساعات الفجر الذي يشق طريقه من جوف العتمة ..أطفالي مازالوا حولي يشاهدون العصافير وهي تغادر أعشاشها والنسيم العليل يبعث النشوة في أجسادنا . هبطنا جميعا إلى الأسفل وغط أطفالي في نوم عميق
[email protected]