كانت السويد أول دولة في العالم تشرع قانوناً في العام 1979 يحرم إساءة التصرف مع الأطفال ، كان ذلك التاريخ محطة بداية في تشريع قوانين تسعى إلى حماية الطفل وتمكينه من حقوقه الكاملة، باعتباره فردًا ذا شخصية مستقلة.
ومنذ اقرار القانون ، الذي ينص على أنه لا يمكن للوالدين في المنزل أو المعلمين في المدارس استخدام أي نوع من أنواع العنف في تربية الأطفال أو حتى التعامل معهم بأساليب مُهينة ، فإن ضرب الطفل أو محاولة ترويعه يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، ولم يكن الغرض من إقرار القانون بهذه الطريقة وضع الآباء او المجتمع في زاويةٍ ضيقة، ولكن كانت هناك رغبة قوية لدى الحكومة السويدية لدفع المجتمع نحو تغيير أساليب التعامل مع الأطفال .
وفي العام 1989 اعترفت دول العالم المتحضرة بحاجة الأطفال إلى اتفاقية خاصة بهم تعترف بحقوقهم وتحميهم من العنف سواء في الاسرة الصغيرة او في المجتمع بشكل عام . وتعتبر اتفاقية حقوق الطفل الصك القانوني الدولي الأول الذي يلزم الدول الأطراف الاعتراف بالحقوق المدنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للأطفال . وقد حققت الاتفاقية قبولا عالميا من حيث المبدأ وتم التصديق عليها من نحو 193 طرف ، أي أكثر من الدول التي إعترفت باتفاقيات جنيف ، حيث تقوم اليونيسف بمهمة حماية حقوق الأطفال ومناصرتها ومساعدتهم في تلبية احتياجاتهم الأساسية وتوسيع الفرص المتاحة أمامهم .
وتتضمن اتفاقية حقوق الطفل 54 مادة، وبروتوكولان اختياريان. وهي تحدد بطريقة واضحة حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال في أي مكان دون تمييز، وهذه الحقوق تغطي مساحة واسعة كحق الطفل في البقاء والتطور والنمو إلى أقصى حد، وحقه في الحماية من التأثيرات المضرة ومن سوء المعاملة والاستغلال، والمشاركة الكاملة في الأسرة، وفي الحياة الثقافية والاجتماعية ، وكل ما ينسجم مع الكرامة الإنسانية للطفل وتطوره وتنميته المنسجمة معها.
وفي العام 1991 وقعت اسرائيل على اتفاقية حقوق الطفل ، غير أنها تكاد تكون الوحيدة بين دول العالم التي لا تقيم وزنا لاتفاقية حقوق الطفل ، التي وقعت عليها وتعهدت باحترامها . نستدرك هنا للقول ان دولة اسرائيل تحترم تلك الاتفاقية ، إذا ما تعلق الأمر بطفل يهودي ولكنها تتجاهل الاتفاقية تماما كلما تعلق الأمر بطفل فلسطيني .
الشواهد على ذلك يومية وتكاد لا تحصى . فجرائم الاحتلال بحق الأطفال الفلسطينيين لا تعرف الحدود ، وهي تتراوح بين الملاحقة والمطاردة الساخنة والاستدعاء لمراكز التحقيق كما هو الحال مع طفلين من بلدية العيسوية تراوحت اعمارهما بين 4 – 6 سنوات كالطفل محمد ربيع عليان والطفل قيس فراس عبيد من بلدة العيسوية وبين الاستهداف برصاصة في الرأس كما هو حال طفل كفر قدوم ، عبد الرحمن ياسر شتيوي ( 10 سنوات ) أو الموت حرقا دون رحمة كما كان حال طفل بلدة شعفاط محمد ابو خضير ( 16 ) عاما أوطفل قرية دوما الى الجنوب من مدينة نابلس علي دوابشه ( 18 ) شهرا .
سلوك سلطات الاحتلال في التعامل مع أطفال فلسطين يعكس في الأيام الأخيرة حالة من الهيستيريا غير المسبوقة . فبعد أن تراجع الاحتلال الإسرائيلي عن استدعاء الطفل محمد ربيع عليان (4 سنوات)، من سكان بلدة العيسوية شرقي مدينة القدس المحتلة، للتحقيق معه بفعل تصدي المواطنين لنوايا شرطة الاحتلال وبفعل التغطية الاعلامية الواسعة ، التي رافقت الحدث عاد عن تراجعه هذا وقام بمطاردة الطفل قيس فراس عبيد ( 6 سنوات ) من نفس البلدة في محاولة لاعتقاله والتحقيق معه بحجة مقاومة الاحتلال . التهمة الموجهة للطفلين هي مقاومة الاحتلال او محاولة رشق شرطة الاحتلال بالحجارة .
هذه نماذج باتت تتطلب تدخلا دوليا فعالا لتوفير الحماية لأطفال فلسطين تحت الاحتلال ، وخاصة من منظمة الامم المتحدة للطفولة ( اليونسيف ) وهي نماذج من سلوك قوات وشرطة الاحتلال في القدس وغيرها من المدن والقرى والمخيمات والمناطق في الضفة الغربية المحتلة ، وهو سلوك جرى تعزيزه والتوسع في ممارسته بعد القوانين التي أقرها الكنسيت عندما صادق في حزيران/ يونيو 2015 على قانون يشدد عقوبة السجن الفعلي على راشقي الحجارة الفلسطينيين لتصل إلى عشرين عاما ، وسمح للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية بتوسيع الصلاحيات الممنوحة لقوى الشرطة الإسرائيلية لإطلاق الرصاص الحي على راشقي الحجارة وفوض الشرطة في القدس المحتلة ترويع الأطفال الفلسطينيين . كل هذا يحدث في دولة يخيم صمت القبورعلى قياداتها كلما تعلق الامر بأطفال فلسطين فتتحول الى قيادات بهامات في مستوى العشب .
** عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
** عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
[email protected]