حبٌ يجمع بين أزواج توقّفوا عن ممارسة الجنس من دون أن يكون هذا الأمر مصدر معاناة لهم. توصّلوا من دون الإقرار بذلك، إلى توازن خاص في علاقتهم، رافضين تحويل عدم ممارسة الجنس مشكلة. خيار واعٍ أكثر إنتشاراً مما نعتقد؛ للقلب أسبابه التي يتجاهلها الجسد أحياناً.
يتوقّف الثنائي عن القيام بأي عمل جنسي غالباً بعد الإنجاب أو في حالة الحداد إثر فقدان شخص عزيز، وهي حالات تؤدّي إلى إنخفاض "الليبيدو" - الشهوة الجنسية - كما أن البطالة وبلوغ سن اليأس لهما وقع سلبي على تقدير الشخص لذاته. يخلق الزوجان نوعاً جديداً من العلاقة، وعندها عليهما إعادة عيش سيناريوهات داخلية خاصة بهما تتمحور بشكل أساسي حول المتعة فقط. مهمة نفسية صعبة في حال كان الإحساس بالذنب يطغى على علاقتهما مع الإشباع الجنسي. وكلما خفّت وتيرة ممارستنا للجنس، خفّت رغبتنا لأن الشهوة الجنسية تتغذّى ذاتياً.
لا يعيش ثنائي مماثل كإخوة ولا كشخصين يتشاركان السكن. وغالباً ما يكون السبب في معاناتهما هو الهاجس والخوف من أن يبدو ان غير طبيعيين والخروج عن الأعراف في مجتمع يُعتبر فيه العمل الجنسي هو المعيار ويكاد يكون فرضاً واجباً، علماً أن غياب العلاقات الجنسية ليس مؤلماً في حد ذاته. الإحباط وإستحالة وعدم القدرة على الحصول على المتعة المرجوّة والمنشودة هي التي تسبّب المعاناة.
حقيقة تُذكّرنا أنه بالنسبة الى التحليل النفسي لا يوجد أي معيار في هذا الخصوص. تتخذ العلاقة بين الثنائي أشكالاً متعددة، وثمة طرق ووسائل عديدة لترسيخها. ويمكنني القول هنا إن الرجل والمرأة عندما يبقيان معاً رغم عدم ممارستهما لأعمال جنسيّة، يعود ذلك غالباً إلى أمور متعددة ومختلفة تجمعهما، أو إلى قرار بالإستثمار في العائلة والمحافظة عليها، أو بسبب مصالح مشتركة، أو الراحة الناجمة عن العيش مع الشريك.
بعض المتزوجين منذ فترة يُقرّون بأنه وضعوا جانباً حياتهم الجنسية بشكل تدريجي، ولكن ذلك لا يمنعهم من تمضية وقت ممتع معاً والمشي يداً بيد أو النوم ملتصقين متعانقين في سرير واحد. علينا التمييز بين الحسيّة – الشبق- الشهوة - والحياة الجنسية. ثمّة أشخاص متزوجون لا يمارسون الجنس بالمعنى المتعارف عليه، ولكنهم يتبادلون القبل ويتلامسون ويتعانقون. دلائل وبراهين كثيرة على العلاقة التي تجمعهم. يأتي إلى عيادتي أزواج يرغبون في إستعادة الحياة الجنسية معاً، ولكنني غالباً ما أفاجأ بطول المدة التي أمضياها من دون معاناة من جراء عدم ممارسة الجنس.
الرغبة والمشاركة هما عاملان أساسيان بالنسبة الى استدامة أي ثنائي وإستمراريته. عند تراجع وتيرة النشاط الجنسي، وهو العنصر الذي يُغذّي الحب والقدرة على الإستمتاع معاً، يكون الشريكان المتحابان رغم عدم ممارستهما لأي نشاط أو عمل جنسي، قد تمكّنا عموماً من تحديد ما يريدانه سواء على المستوى الشخصي أو كثنائي. علاقة تجمعهما وإن لم يكن ذلك بالضرورة في إطار جنسي. حصر الجنس بالحب يُخفّف من شأن الأشكال المتناهية التي يمكننا من خلالها التعبير عن مشاعرنا للآخر.
ليس من الضروري أن يرغب ثنائي كهذا في إعادة الحياة إلى الرغبة الجنسية بينهما وتفعيلها، وتنشيطها وتحفيزها. يجمعهما التفاهم والإنسجام والحنان إلى درجة يخافان فيها من الإخلال بهذا التوازن وفقدانه. عندما يشعر الشريكان برضى حقيقي من دون ممارسة الجنس، فذلك يعود عموماً إلى أن الحياة الجنسية، بالنسبة اليهما، كل على حدة أو سوية، تعكس وتُخفي في طيّاتها معاناة ما، سواء كان ذلك بسبب خلل فيزيولوجي أو صدمة في الطفولة. إيقاظ وتحفيز الرغبة يؤديان إلى إيقاظ هذه المعاناة من أي نوع كانت.
في الرغبة الجنسية، ثمّة عنصر عدائي وحيواني مخيف بعض الشيء. بعض الأشخاص الذين يشعرون بأنهم غير لطفاء بما فيه الكفاية أو يعانون نقصاً في تقدير الذات، غير قادرين على الربط بشكل حقيقي بين الجنس والمشاعر كما لو أن الحسية الجسدية تتنافى وتتعارض مع طهارة الحب. يختار هؤلاء الأشخاص الاحتماء في علاقة حنونة تُشعرهم بالأمان والطمأنينة. لا يوجد ما هو مَرَضي في هذا القرار ما دام يسمح بالوصول إلى النضج.
وإن كان هذا الثنائي يتقبل هذه العلاقة التي أصبحت عذرية ويتعايش معها بسلام، فذلك يعود بشكل أساسي إلى تقبل الشريكين للأمر وعدم إحساس أي منهما بالاحباط. عند شعور أحدهما بعدم الرِضى عن الوضع القائم، يتعرّض هذا التوازن الجميل الذي يدوم منذ فترة طويلة، للخلل. أشهر وحتى سنوات قد تمضي من دون نشاط جنسي. وفي أحد الأيام، لا يعود ما كان يبدو مناسباً للشريكين، مُرضِياً. في هذه الحالة، عليهما البحث عن حل لإنقاذ الثنائي قبل أن يلجأ الشريك الذي لم يعد قادراً على التحمّل، إلى البحث عن مراده خارج إطار الثنائي.
غالباً ما تكون هي من جيل من النساء اللواتي لم يُعلّمهن أحد التحدّث عن الجنس. في بداية الأمر، عانت من فكرة أنها لم تعد مُغرية أو كونه إلتقى بإمرأة أخرى. بينما في الحقيقة هو لم يكن يوماً من المولعين بالجنس؛ فمع مرور الوقت تراجعت الرغبة الجنسية بينهما لأن الأمور ببساطة ليست على ما يرام. تظن المرأة بأنه كان عليهما إستشارة طبيب بهذا الخصوص لمعرفة ما إذا كان هناك من حل لهذه المشكلة، ولكن الأوان يكون قد فات ويكاد الأمر يصبح من المحظورات ومن المواضيع التي من غير المُستحبّ التطرق إليها.
بقاء الرجل والمرأة معاً رغم عدم ممارستهما الجنس يفرض تعريفاً مشتركاً للثنائي: أليس من المفترض أنهما شخصان يدعمان أحدهما الآخر، نصفان إلتقيا يجمعهما إعجاب متبادل؟ نحلم جميعاً بتفاهم تام تطغى عليه سمة الإيروتيكية والإنسجام الفكري، ولكن الأجساد تتغير مع مرور الوقت وكذلك الرغبات الجنسية وليس من الضروري أن تتغيّر هوامات الشريكين بالوتيرة نفسها.
من هنا، فإن إرتباطاً قائماً على إهتمامات مشتركة، وإلتزامات فكرية أو فلسفية مماثلة، يتمتع بفرص أكبر للإستمرار والصمود مقارنة بثنائي نشأ بفعل إنجذاب جسدي حسّي لا يُقاوم. قد لا يبدو هذا الأمر مثيراً للوهلة الأولى ولكن هل هذا صحيح؟
[email protected]