بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًامَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184).
الكلى العضو الإخراجي الأول في الجسم، ليتخلص من خلالها من معظم المواد السامة التي يتناولها الإنسان بشكل مباشر كالأدوية؛ أو بشكل غير مباشر مثل المعلبات والمأكولات الفاسدة التي يمكن أن يكون لها آثار مدمرة تؤدي بالكلية إلى القصور أو حتى الفشل الوظيفي في ترشيح الفضلات الإخراجية الناتجة عن (عملية الأيض)؛ سواء البنائي أو الهدمي، فمن خلالها يتخلص الجسم من الأملاح والشوارد الزائدة والماء الزائد عن حاجته، كما تعمل على ضبط ضغط الدم عند مستواه الطبيعي.
وفي الصيام يختلف الوضع إلى حدٍّ كبير؛ فتقل معه كمية تناول الفرد للمواد الغذائية والمواد الضارة، ما ينعكس- إيجاباً- على تقليل كمية الفضلات الإخراجية التي ينتجها الجسم؛ بما يخفف العبء على الكليتين عند أدائهما لوظيفتيهما, ومن ثم حمايتهما من الآثار المرضية لهذه المواد. إنه أشبه باستحداث نوع جديد من العلاجات يعتمد على الجوع أو الصوم، على نحوٍ يؤكد الحكمة النبوية المباركة التي تجلت في قول الرسول(صلى الله عليه وسلم): "صوموا تصحوا".
لكنه ليس ليفيد الصائم- على الإطلاق- ما لم يستوف الشروط الصحية بما يُلاءم وضعه الصحي؛ بمعية تحاشيه للمحاذير التي لا تعود على عافيته بالنفع؛ بل بالضرر، وهو ما يجب مراعاته أكثر عند صيام المرضى؛ كالذين يعانون من مشاكل في الكلى.
وبالمجمل، نجد العادات الغذائية الصحية هي الأساس لحماية هذه الشريحة من المرضى؛ في حدود ما يوصي الطبيب المعالج بما يتناولوه ويتجنبوه منها- تبعاً للأمراض التي يعانونها - كي يكون صيامهم مبعث طمأنينة مريحة تتلاشى أو تقل معها المتاعب والأضرار المحتملة.
القصور الكلوي؛ بمعنى عدم كفاءة الكليتين وأنهما لم تعودا قادرتين على القيام بكل أو ببعض وظائفهما السابقة في استخلاص وطرد مخلفات الطعام والشراب ومخلفات البناء والهدم التي تنقل إليها عبر دورة الدم بالجسم، وبما يجعل- أيضاً- عملية التخلص من السوائل والأملاح مسألة صعبة.
لا شك أن أسباب هذا الاعتلال الوظيفي للكليتين بمستوييه كثيرة، كانسداد مجرى البول الناتج عن حصوات الكلى، داء السكري، وجود التهابات ميكروبية بالكلى، ارتفاع ضغط الدم الشرياني، بعض أمراض الجهاز المناعي كمرض الذئبة الحمراء (الثعلبة)، الإصابة بالبلهارسيا، وجود أمراض وراثية مثل (تكيس الكليتين، متلازمة ألبورت) وسوء استخدام بعض الأدوية والمسكنات وما إلى ذلك.
وعلى المواطن أن يعي أهمية إجراء تحليل البول بالمختبر وفحص الدم والفحص بالموجات فوق الصوتية، إذ يمكن من خلالها الكشف عن وجود أمراض الكلى في أكثر من (95% )من الحالات، ولا بد له من ترجمة واقعية في الحياة؛ وبخاصة الفشل الكلوي الذي لا تصاحبه – غالباً - أعراض توحي بالإصابة في الفترة الأولى لظهوره أو أنه يأتي بلا أعرض، لكن مجمل العلامات العامة لهذا المرض تشمل عادةً: (الصداع، الإرهاق، شحوب اللون بسبب فقر الدم، فقدان الشهية، الغثيان والقيء، الحكة المستمرة، اضطراب النوم، التغير في كمية البول، الغيبوبة والتشنجات)
وعليه، يمكن تقسيم مرضى القصور والفشل الكلوي إلى مجموعاتٍ خمس يتحدد عندها السماح أو عدم السماح بالصيام لتلافي المشكلات
1 - مريض القصور الكلوي المزمن والصوم قد يفيد بعض الحالات عن طريق الإقلال من تناول البروتينات والأملاح ، بينما قد يؤدي الصوم ـــ نتيجة لنقص السوائل والأملاح ـــ إلى تدهور حالته الصحية ، ويحدث زيادة كبيرة في إنتاج البول بشكل لا يتناسب مع كمية السوائل والأملاح التي يتناولها المريض في أثناء الصوم ، فيؤدي لمشاكل كبيرة يجب استشارة الطبيب قبل الصيام.
2 - مرضى الفشل الكلوي المزمن في مراحله النهائية الذين يعالجون بجلسات الكلى الصناعية فهم يمكنهم الصيام دون أن يؤثر ذلك على حالته الصحية ، على أن يفطر في الأيام التي يتلقى فيها جلسات الغسيل ، إذا كانت هذه الجلسات تقع في أثناء النهار لأنها تطلب إعطاء مغذيات ومحاليل عن طريق الوريد مما يفسد الصوم وبالطبع يستطيع قضاء ما على من الأيام التي أفطرها بعد شهر رمضان ولكن هذا يتوقف على صحته واستشارة طبيبه.
3 - مرضى زراعة الكلى فلا يوصي بصومه خلال السنة الأولى بعد عملية زراعة الكلى ، ويمكن أن يصوم بعد مرور عام من زراعة الكلى إذا كانت الكلى المزروعة تعمل بشكل جيد .
4- الحصوات البولية، فإن قلة كمية الماء من جراء الصيام تجعل الكلية تفرز البول بشكلٍ مركز؛ مما يتسبب بتجمع وترسب أملاح البول في حوض الكلية، ومن ثم تكون الحصوات، حيث لا يمكن تلافي هذه المشكلة إلا بتعويض الجسم بالماء والسوائل أثناء الليل.
وفي حال وجود حصوات في حوض الكلية أو في الحالب؛ فذاك مما نعتبره من موانع الصيام، إذ إن الصيام يعمل على زيادة تركيز البول، مما يؤدي إلى زيادة حجم أو عدد الحصوات. أما إذا لم تكن في جيوب الكلية ولا تستقر فيها، فيمكن الصيام في هذه الحالة مع تناول كميات تعويضية من الماء في فترة الإفطار.
5- الالتهابات الحادة في المجاري البولية- الصوم لساعات طويله- يولد إحساساً بحرقه شديده أثناء التبول وآلام في أسفل البطن؛ نتيجة قلة كمية الماء بالجسم وقلة إدرار البول، لذلك ينصحون بالإفطار.
في نهاية المطاف، أنصح مرضى الجهاز البولي الصائمين بتناول السوائل في شكل عصائر طبيعية، لأن الجسم يحتفظ بها مدة أطول من الماء لمدة تتراوح بين (10 - 15) ساعة؛ وألا يقوموا ببذل مجهود عضلي يترتب عليه فقدان الكثير من العرق؛ وألا يتعرضوا للحرارة والرطوبة كثيراً.
وعليهم- أيضاً- تناول إفطارهم ببطء شديد، فيتناولون في البداية كوباً من الماء؛ يليه العصير الطبيعي؛ ثم طبق سلطة وفاكهة، وبعدها يتناولون الطعام، ولا مانع من تناولهم للبروتينات البحرية فهي جيدة -عموماً- وسهلة الهضم وفيها من الفوائد الصحية الكثيرة.
بقلم: د.نايف حبشي اخصائي كلى
[email protected]