أطلت علينا صحيفة "هارتس" الاسرائيلية، يوم الجمعة الماضي 25/11 وعلى صفحتها الأخيرة، بمقال منقول عن الصحيفة البريطانية "الغارديان" عن اختصاصيين نفسيين يدعون الأهل الى الكف عن "الكذب" لأولادهم حول وجود "سانتا كلوز" وبالعنوان العريض " آن الأوان قول الحقيقة المرة عن سانتا".
ومن ينظر الى عنوان المقال لأول وهلة، يظن أن هناك خطأ تاريخيا وضررا نفسيا كبيرا لحق بالأطفال، جراء وجود شخصية "سانتا كلوز" أو "بابا نويل" كما نعرفه عندنا أو "شيخ العيد". هذا الذي يأتينا أو يأتي للأطفال خاصة حاملا الهدايا عشية عيد الميلاد المجيد، ليدخل الفرحة والبهجة الى قلوبهم ويجعل عيدهم سعيدا بمفاجأته التي ينتظرها الأطفال سنويا.
وتذكر الصحيفة أن المقال يعتمد على بحث لعلماء نفس نشر في مجلة علمية ويستنتج أن "قول الكذب للأطفال حتى في موضوع ترفيهي، من الممكن أن يمس بمصداقية الآباء ويسبب خيبة أمل كبيرة لدى الأطفال عندما يكتشفون أن السحر غير حقيقي". وذهبت احدى العالمات الى أن ذلك قد "يكون القشة التي تكسر ظهر الجمل بين الأهل والأبناء".
صحيح أني لست خبيرا نفسيا ولا يمكنني دخول الموضوع من هذا الباب، لكني كانسان عاش هذه التجربة كغيره من الآف بل ملايين البشر عندما كنا صغارا، وكذلك عندما تحولنا الى آباء، حيث عشنا التجربتين وأذكر أننا كنا ننتظر بابا نويل ونحن صغارا وهداياه، وعندما شاركنا أبناءنا " كذبة" قدوم بابا نويل محملا بالهدايا في موسم الميلاد المجيد. كانسان عادي أقول علنا أن علاقتي بأهلي وعلاقة أبنائي بنا كأهل، لم تمس بشعرة ولم تهتز قيد أنملة جراء ممارسة هذه "الكذبة" السنوية، بعرف علماء النفس الذين خرجوا علينا اليوم بهذا "الكشف" العظيم والخطير.
على مر العصور والسنين ومع كل ميلاد جديد، انتظر الأبناء والآباء بابا نويل وهداياه، ومارسنا هذه "الكذبة" طوال كل تلك السنوات، بل مارسته أجيال وأجيال قبلنا، ولا شك أنها ستمارسه أجيال بعدنا، ولم نسمع ولم نشاهد مسا بعلاقة الأبناء بالأهل، ولم تنكسر القشة ولا حتى ظهر الجمل، وبقيت مصداقية الآباء على حالها، فلماذا يريد البعض أن يحرم الأطفال هذه الفرحة ويسرق منهم بهجة العيد، ألم يفكر أولئك العلماء بوقع الغاء هذه المظاهر البهيجة على نفسية الأطفال، وكيف سيستقبلون العيد بدونها؟ ما هو المزعج في وجود شخصية خيالية جميلة، ذات أهداف نبيلة وهي اسعاد الأطفال؟ ألم ينشأ الأطفال على قصص الخيال والأساطير؟ ألا تعرض شاشات التلفاز لهم أفلام الكرتون القائمة على " أكاذيب" توم وجيري وباباي وغيرها من الشخصيات الوهمية، والتي تصنع المعجزات؟ وماذا مع أفلام الأطفال السينمائية والتي تعتمد على الخيال الجامح، مثل هاري بوتر وغيرها؟ ألا تسبب كل تلك الأمور اهتزازا في نفسية الأطفال؟
وبعد ألم يقرأ علماء النفس بأن " قصة سانتا كلوز قصة واقعية مأخوذة من قصة القديس نيكولاس وهو أسقف ميرا وقد عاش في القرن الخامس الميلادي، وكان القديس نيكولاس يقوم أثناء الليل بتوزيع الهدايا للفقراء ولعائلات المحتاجين دون أن تعلم هذه العائلات من هو الفاعل"، كما جاء في موسوعة (ويكبيديا). وأخذ الناس يقلدون هذه الشخصية ويحيون عملها سنويا بأشكال مختلفة، فما الغلط في هذا؟
ربما علم بعض الباحثين النفسيين أنهم ذهبوا بعيدا في استنتاجاتهم، فتحفظ أحد المشاركين في البحث وأشار الى انتقاده لسلوك بعض الآباء الذين يهددون أبناءهم، بأن بابا نويل لن يجلب لهم الهدايا اذا لم يتصرفوا بشكل حسن في البيت، ربما نوافقه على ذلك، لكن هذا لا يستدعي الغاء هذه العادة الجميلة تحت أي ادعاء سلوكي أو تربوي أو نفسي، لأن هذا التقليد ليس أنه لم يجلب الضرر للأطفال والعائلات، بل أدخل وما زال يدخل البهجة والسعادة الى قلوبهم، فدعوا الأطفال يفرحون بهدايا بابا نويل، وليكن ميلادا مجيدا وبهيجا على الجميع.
[email protected]