يقرّر الكاتب ريتشل دوناديو في مقال مثير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" ونقلته صحيفة "هارتس" أنّ الرّوايات الأدبيّة البارزة جدّا في الأدب الفرنسيّ التي صدرت في العام 2015 تبرهن على أنّ فرنسا منقسمة بين اتكائها على ماضيها الاستعماريّ وبين الخوف من المستقبل العنيف، ويذكر بأنّ ثلاث روايات من الرّوايات الأربع الأخيرة التي وصلت إلى مرحلة التّصفية لجائزة جونكور الأدبيّة القيّمة تتعلّق بالعالم العربيّ وهذا دليل على أثر الشّرق الأوسط ودول شمال أفريقيا على الخيال الثّقافيّ الفرنسيّ، وأمّا النّاقد الفرنسيّ أريك نولو فيرى أنّ الأدب الفرنسيّ كان سياسيّا جدّا في هذا العام وأنّه انفتح على العالم بعد أن كان منطويّا على نفسه وهذا يعود إلى الزّمن المتوتّر الذي تعيشه فرنسا في الفترة الأخيرة فرواية "خضوع" للرّوائيّ ميشيل فوليك التي كانت من أكثر الرّوايات مباعا تصّور فرنسا في العام 2022 يحكمها رئيس مسلم، وأمّا رواية "2084" للكاتب بوالم سنسيل(67 عاما) فتدور أحداثها في دولة "أبيستان" الوهميّة ذات النّظام الدكتاتوريّ وقد أثارت أصداء واسعة بين النّقاد وبين القرّاء وبيع منها حتى الآن 194 ألف نسخة. وسنسيل مهندس جزائريّ كان نائبا لوزير الصّناعة في بلاده واستقال مضطرّا من منصبه في العام 2004 ويقول أن الاسم "أبيستان" وما تصّوره روايته يعتمد على ما جرى ويجري في أفغانستان والجّزائر وليبيا،ويشبّه الإسلام الرّاديكاليّ بالنّازيّة وبالفاشيّة.
لم تدخل رواية الكاتب سنسيل، التي لا تميّز بين حركات الإسلام العنيفة المتطرّفة وبين الدّين الإسلاميّ الحنيف، المجموعة الأخيرة من الرّوايات المرشّحة لجائزة جونكور وقد أثار هذا الأمر غضب المؤلّف الذي ادّعى بأنّ لجنة التّحكيم خشيت بأن يثير اختيارها لروايته غضب المسلمين إلا أنّ الأديب برنار فيبو(رئيس اللجنة) والرّوائيّ الطّاهر بن جلون(عضو اللجنة) ردّا بأنّ قرارهما أدبيّ وليس سياسيّا وأنّ في الرّاويّة عيوبا فنّية بارزة.
وإذا كانت راوية"2084" لسنسيل تصوّر مستقبلا فرنسيّا حزينا بسبب الإسلام فاّن كتاب "بوصلة" للكاتب متياس أنار هو النّقيض لأنّه يصوّر تطوّرات ايجابيّة في التّبادل الثّقافيّ أو التّلاقح الثّقافيّ بين الشّرق وبين الغرب وبالأخصّ بين فرنسا وبين العالم العربيّ الإسلاميّ ويكاد يكون كتابه دائرة معارف للتغيّرات الاوروربيّة في الأدب والرّسم، ويصور في أحد فصوله تأثير المؤذّن على الموسيقى الغربيّة.
لم أقرأ رواية(2084) لسنسيل التي كتبها بالفرنسيّة ولكنيّ تساءلت بعد قراءة مقال ريتشل دوناديو: لماذا صوّر الكاتب العربيّ الجزائريّ المسلم في روايته رجلا عربيّا مسلما متردّدا في مبادئ الإسلام وأركانه الأمر الذي يؤدّي إلى نظام حكم دكتاتوريّ وحشيّ؟ ولماذا أرعب المجتمع الفرنسيّ من نازيّة أو فاشيّة الإسلام؟ ولماذا لم يميّز بين الحركات الإسلاميّة المتطرّفة وبين الدّين الإسلاميّ الذي يدعو إلى التّسامح والتّعدّديّة والمعاملة الحسنة؟ هل يعود ذلك إلى ما شاهده الكاتب في الجزائر أو أن سنسيل يرغب بأن يبدو "جميلا" في عيون الفرنسيّين؟
[email protected]