يفرحني هؤلاء المتفوّقون من أبناء شعبي: علماء وأطبّاء وصيادلة وباحثون وقانونيّون ومهندسون ومحاسبون ورجال أعمال وغير ذلك من شتّى المهن والميادين الذين نجحوا في كسر حواجز التّفرقة واختراق جدران التّمييز التي شيّدتها المؤسّسة الإسرائيليّة العنصريّة، وحقّقوا انجازات علميّة باهرة على مستوى محلّيّ وعالميّ ووصلوا إلى مراكز عاليّة في الجهاز القضائيّ والأكّاديميّ والطّبّيّ والبحثيّ والماليّ والإداريّ، وكلّما قرأت خبرا عن إنجاز مرموق لعالم عربيّ في معهد التّخنيون أو إحدى الجامعات أو الكلّيّات أو مراكز الأبحاث شعرت بفخر واعتزاز وسعادة وكأنّ لسان حالي يقول: هؤلاء أبناؤنا يا شلّة العنصريّين الحاقدين الاستعلائيّين. ولن أردّد ما قاله الشّاعر الأمويّ.
نحن أبناء الشّعب العربيّ الفلسطينيّ الذين بقينا منغرسين في بلادنا، في الجليل والمثلث والكرمل والنّقب والمدن السّاحليّة،على الرّغم من عاصفة النّكبة ومحاولات التّرانسفير والحصار والتّجويع والاضطهاد القوميّ حقّقنا انجازات هائلة وهامّة جدّا "ترفع الرّأس" بفضل صمودنا ونضالنا وإرادتنا القويّة وحبّنا للحياة وللعلم وللتقدّم وللإبداع، وما كان من الممكن، بل لعلّه من المحال، أن يصل عربيّ أو عربيّة إلى إدارة مستشفى أو إدارة قسم منه أو إلى محكمة العدل العليا أو إلى إدارة مؤسّسة ماليّة أو مركز أبحاث أو غير ذلك من المراكز العاليّة لولا أنّه متفوّق أو متفوّقة فيما مجاله وربمّا تفوّق بامتياز.
حينما أعود مريضًا في مستشفى، في الشّمال أو المركز أو الجنوب، وألتقي بالأطبّاء العرب الاختصاصيّين البارزين، الذين يشار إليهم بالبنان أشعر بفخر وأقول: بقينا وصمدنا وتزوّجنا وأنجبنا وسرنا على الدّرب الصّحيح مرفوعي الهامات منتصبي القامات.
إذا أردنا أن نتقدّم ونتطوّر فلا سبيل لنا إلا العلم. وإذا طمحنا بأن نتبوّأ مراكز مرموقة فلا وسيط لنا إلا التّفوّق. وهذا يقودني إلى نقاش مع حفيداتي وأحفادي في الجامعات في البلاد وفي الخارج وعددهم - خمسة في عين الحسود – يعادل عدد الكواكب في حلم يوسف والحمد لله، الذين يحاول بعضهم إقناعي بالا قيمة للعلامة العاليّة في الامتحان بل المهمّ هو النّجاح فيه حتّى أنّ أحدهم أجابني ذات مرّة عندما سألته عن نتيجة امتحان ما تقدّم إليه: حصلت على خمس عشرة علامة لا حاجة إليها أي أنّه حصل على 75 بالمائة. ولم تعجبني إجابته ولم يقنعني موقفه.
عملت في التّدريس عدّة سنوات ولم أكن أزن أو أقيس طلابي بعلاماتهم ولكنّي كنت أعجب بالمتفوّقين منهم وأحبّهم محبّة خاصّة، ولم اضغط في يوم ما ابنا أو حفيدا من أجل العلامة ولم أوبّخ أحدا منهم على علامة سيّئة بل كنت أواسيه وأشجّعه، ولكنّي كنت وما زلت أفرح لعلامة التّفوّق فنحن أبناء هذه الأقليّة نحتاج إلى التّفوّق مثل حاجتنا للهواء وللماء وللغذاء.
سررتُ عندما قرأت أنّ طالبا عربيّا حصل على علامة 800 من مجموع 800 في امتحان القدرات (البسيخومتري) وهذا نجاح نادر كما سررت عندما نالت طالبة عربيّة متزوّجة وأمّ عمرها 26 عاما شهادة الدّكتوراة في علم البيولوجيا لتكون "أصغر دكتورة" في البلاد.
وأبدا على طريق العلم والتّفوّق والكرامة الوطنيّة.
[email protected]