حدثٌ ثقافيٌّ اجتماعيٌّ سياسيٌّ غيرُ عاديّ في قاعة "سوزان دلال" في مدينة يافا-مدينة تل أبيب يافا كما تُسمّى اليوم، جرى مساء الأحد 13 آذار 2016 عندما توافد إليها مئات اليهود الإسرائيليّين من بينهم أدباء وشعراء وفنّانون ومثقّفون بارزون للاحتفال بعيد الميلاد الخامس والسّبعين لشاعر فلسطين القوميّ محمود درويش. فعلى مدار ثلاث ساعات ناعمة مثل"نوّار اللوز" و"على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة" "إذا ما فكّرت بغيرك" قضاها المحتفلون واستمعوا فيها إلى كلمات قصيرة من حاييم شنهار ومحمّد علي طه وراسم خمايسيّ وروبين سنير وحاييم غوري ودوريت سريد وتمار بن عمي (صديقة درويش في السّتّينات) والى قصائد درويش بالعبريّة وبالعربيّة التي قرأها مائير فيزلتير وروني سوميك ومحمّد بكري وآخرون والى موسيقى وغناء عماد دلال ويئير دلال وغيرهما.
جاءت هذه الأمسية الرّاقية في فترة تصاعد التّطرّف الدّينيّ في إسرائيل وفي الشّرق الأوسط، وفي زمن سقطت فيه حكومة إسرائيل رهينة بأيدي المستوطنين وغلاة اليمين، وفي حين أحكمت داعش قبضتها على رقاب الموصل والرّقّة وتدمر واغتالت أشعار المتنبّيّ والمعرّيّ وفكر ابن رشد، وفي سنوات ما زالت فيها غزّة هاشم رهينة بأيدي من يكرهون أشعار درويش، وفي أيّام فلتان زعران تدفيع الثّمن، وفي عهد ممارسات الاحتلال البشعة في القدس والخليل وبلعين، وفي زمن احتجاز الجثامين ومصرع الأزهار والأطفال... جاءت هذه السّهرة الرّائعة لتقول لنا: ما زال في الدّنيا خير.
كان درويش يتقن اللغة العبريّة التي قرأ فيها أشعار يهودا عميحاي وداليا ونشيد الإنشاد والجامعة ولكنّه لم يعرف كلمات وتعابير جديدة جدّا غزت هذه اللغة بعد سفره الأبديّ مثل"العرب يهرولون" أو مثل "حيّدت قوّات الجيش مخرّبة فلسطينيّة في الثّانية عشرة من عمرها كان بيدها مقصّ" أو " الشّيوعيّون والقوميّون العرب يسيرون تحت أعلام داعش".
عاش الجمهور طيلة ثلاث ساعات مع أشعار محمود درويش الرّائعة وقدّم بدوره تحيّات محبّة وتقدير للمبدع الفلسطينيّ الذي غنّى للحريّة والحبّ.
تستطيع رصاصات العساكر أن تغتال طفلة فلسطينيّة عشقت الحريّة، ويستطيع غلاة المستوطنين أن يحرقوا محمّد أبو خضير وعائلة دوابشة ولكنّهم لا يستطعون أن يغتالوا شوق الشّعوب إلى السّلام والحريّة ما دامت هناك شمس تشرق على سهولنا وسفوحنا وأوديتنا، وما دام هناك شاطئ جميل في الزّيب والطّنطورة وحيفا وغزّة، وما دامت هناك أزهار بريّة على الكرمل وجبال الجليل وغور الأردنّ، وما دامت هناك عصافير وعنادل تغرّد في حديقة البيت، وما دامت هناك نساء جميلات في حيفا ورام الله والنّاصرة، وما دامت هناك قهوة عربيّة مهيّلة، وما دام هناك زيت زيتون صافٍ وزَعتَر بلديّ وخبز قمح نورسيّ مثل خبز أمّك حوريّة وخبز أمّي عزيزة.
وشكرا لجامعة حيفا ولمؤسّسة محمود درويش للإبداع في كفر ياسيف اللتين نظّمتا هذه الأمسيّة الجميلة فزرعت أملا في النّفوس العطشى.
[email protected]