أساءت جريمة داعش النّكراء القبيحة في باريس للدّين الإسلاميّ وللمسلمين في أرجاء المعمورة وبخاصّة هؤلاء الملايين الّذين غادروا أوطانهم وبيوتهم وجيرانهم وذكرياتهم مرغمين، فارّين من الجوع والخوف، باحثين في الدّول الأوروبية والولايات المتّحدة الأمريكيّة عن لقمة خبز غير مغمّسة بالذّلّ، وعن فضاء حرّ لا تتحكّم فيه سياط الشّرطة وأحذية العسكر وأقبية المخابرات.
ووجد فيها دعاة صراع الحضارات والمستشرقون وأجهزة الإعلام الجبّارة وما يسّمى بخبراء الإسلام في الغرب وفي إسرائيل مستنقعا مترامي الضّفاف وفضاء رحبا لا حدود ليحرّضوا على الدّين الإسلامي والمسلمين ملوّحين بفزّاعة التّهديد للحضارة الغربيّة، وبالإرهاب الإسلامي الوحشيّ .
فضح المفكّر العربيّ الفلسطينيّ العالميّ ادوارد سعيد في كتابه الشّهير "الاستشراق" (1978) النّهج الغربيّ في تحقير الإسلام والمسلمين لأهداف استعماريّة وفتح كتابه المذكور الباب "أمام دروب جديدة لا لكتابات الغربيّين عن الشّرق فقط بل لكتابات الدّول الّتي تحرّرت من الاستعمار عن ذواتها "، ويرى ادوارد سعيد أنّ هؤلاء الكتّاب الغربيّين يسعون لتكوين صورة يريدونها للشّرق تباع للغرب في ظلّ نظام اقتصاديّ يحكمه الرّبح الماديّ والفائدة المعنويّة، ويقدّم الكُتّاب ما تريده السّوق سواء كانوا يكتبون كتابات عامّة أو إبداعية أو علميّة مزعومة فالسّوق تريد صورا لمكان غريب متخلّف عن ركب الحضارة يسوده التّفكير اللاعقلانيّ وتسود فيه المتع الحسّيّة . وبيّن سعيد أنّ الصّور التي تمثّل الإسلام منتقاة بعناية لتلبية سوق احتياجات السّياسات الحكوميّة الغربيّة. ويكتب ادوارد سعيد في مقدّمة كتابه الهامّ "تغطية الإسلام" (1981):" الأساس الفكريّ الذي يقوم عليه كتاب الاستشراق هو الارتباط الوثيق بين المعرفة وبين السّلطة أو القوّة" وأمّا في "تغطية السلام" فهو يغوص في المواقف الغربيّة والمواقف الأمريكيّة إزاء العالم الإسلاميّ التي تنمّ عن التّحيّز العرقيّ الشّديد والكراهية الثّقافيّة بل والعنصريّة والعداء العميق. ويرى سعيد "كان الإسلام ولا يزال يمثّل تهديدا خاصّا بالغرب.. يمثّل تهديدا للحضارة الغربيّة".
ويذكر أنّ عددا من كتّاب الغرب الّذين يحتقرون الثّقافة الإسلامية دعوا ويدعون إلى غزو العالم العربيّ والإسلامي من جديد مدّعين أنّ استقلال هذه الدّول في آسيا وأفريقيا بعد قرون من السّيطرة الاستعماريّة يعتبر انتكاسا وعودة إلى الهمجيّة والحكم الاستبداديّ".
تشدّني الكتب التي تعالج الإسلام ويكتبها مفكّرون عرب يعيشون ويعملون في جامعات باريس ولندن.. في أمريكا والنّمسا وسويسرا، وأعتقد أنّهم أفضل من يدافع عن الإسلام والمسلمين وأنّ أفضلهم الكاتب ادوارد سعيد الذي قارع مفكّري الغرب العنصريّين بحججه القوّية وفكره العميق وثقافته الواسعة وفضح نهجهم ومخطّطاتهم الاستعماريّة الجديدة، هؤلاء المفكّرين الذين يؤكدون على تفوّق ثقافة القوّة، ثقافة الغرب الاستعماريّ على "الثّقافة الإسلامية المتخلّفة" كما يزعم أستاذهم المستشرق العنصريّ الصّهيونيّ برنارد لويس محبوب الجامعات الإسرائيليّة والخادم الأمين لوزارات الخارجيّة (في إسرائيل والغرب) والابن المّدلل "للعربستيم" وخبراء الإسلام.
[email protected]