توقّعتُ أن تثير زيارة النّائب أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة،للولايات المتّحدة الأمريكيّة،نقاشا بين مؤيّد لها وبين متحفّظ منها أو معارض لها،من أصدقائه ومؤيّديه، ومن أنداده السّياسيّين والحزبيّين،ومن هواة المماحكة، ومن منافسيه على السّاحة الشّعبيّة وعلى نجوميّة الإعلام،فنحن شعب حيّ يمارس التّعدديّة الفكريّة والسّياسيّة والحزبيّة،ونحن- الحمد لله- فينا من يبذّ أبطال شكسبير وموليير في اللّسع واللّذع ووضع عصيّ السّنديان بين العجلات، وفينا من يغبط الصّديق ويحسد الرّفيق، وفينا من يصّفق وفينا من لا يهتمّ ولا يسمع ولا يرى، وهذا كلّه طبيعيّ فنحن مثل الشّعوب الحيّة الأخرى.
يعود الاهتمامُ بهذه الزّيارة لأنّ النّائب عودة هو رئيس القائمة المشتركة التي تمثّل مليونًا ونصف المليون من العرب الفلسطينيّين المنغرسين في وطنهم على الرّغم من عواصف التّرانسفير وزوابع الإقصاء ورياح العنصريّة بالإضافة إلى أنّ النّائب عودة هو المرشّح الأوّل الذي اختاره الكادر الجبهويّ بانتخابات ديمقراطيّة شفّافة لا غبار عليها، والأهمّ من ذلك أنّ الدّعوة لهذه الزّيارة جاءت من مؤسّسات إعلامية واجتماعيّة وثقافيّة وعلميّة أمريكيّة معروفة ومهمّة، ولعلّ في هذا "تحديًّا" لسياسة الإقصاء والحصار التي مارستها المؤسّسة الإسرائيلية ضدّنا منذ النّكبة أو لعلّه على الأقلّ خروج عن المألوف إذا توخّينا الدّقة.
تابعتُ باهتمام أخبار هذه الزّيارة في الصّحافة العربيّة المحليّة المكتوبة ، وفيما تسنّى لي أن أسمعه من الإذاعات المحلّيّة أو أن أشاهده على الشّاشة الصّغيرة، وأرجو أن يعذرني أولادي وأحفادي وأصدقائي ومعارفي لأنّني لم أقرأ ولو النّزر اليسير مّما نشرته مواقع التّواصل الاجتماعيّ(يا له من اسم جميل!) وشعرتُ بفرح واعتزاز لاّنّ ولدنا أيمن عودة، هذا الشّاب المثقّف النّشيط الدّمث الذي رضع السّياسة من ثديي الفكر العلمانيّ والوطنيّ حقّقت زيارته انجازات غير عاديّة.
إنّ مشاركة عودة في مؤتمر صحيفة "فورن بوليسي" ومؤتمر صحيفة"هارتس" ومحاضراته في جامعات ومعروفة وجمعيّات مشهورة ومقابلاته مع كبرى الصّحف الأمريكيّة ولقاءاته مع القائم بأعمال الأمين العامّ للأمّم المتّحدة ومع برلمانيّين وسياسيّين ومع رفاق درب مارتن لوثر كينج ومع عدد من السّفراء ومع الجاليّة العربيّة وطرحه لقضايانا وما نعاينه من سياسة التّمييز وما يعانيه شعبنا العربيّ الفلسطينيّ من ممارسات الاحتلال الجائرة هو خدمة جليلة لشعبنا وصفعة مدويّة لهؤلاء الذين عملوا على حصارنا وتغيّيبنا.
هل يعرف الشّعب الأمريكيّ، وهو شعب طيّب مثل جميع الشّعوب، أنّ دولة إسرائيل الدّيمقراطيّة التّي يدعمها مادّيّا وسياسيّا تضطهدُ عشرين في المائة من سكّانها وأنّ ثلثيّ الأطفال الفقراء فيها هم من العرب، وأنّها بنت سبعمائة تّجمع سكنيّ لليهود منذ إقامتها ولم تبن بلدة عربيّة واحدة بل إنّ هناك عددا من القرى العربيّة المتواجدة قبل قيامها لا تعترف بها ويعيش سكّانها بدون ماء وبدون كهرباء وبدون مدارس؟ وهل يعرف الشّعب الأمريكيّ أنّ حكومته هي لبّ الصّراع الإسرائيلي الفلسطينيّ ولو أرادت إنهاءه لفعلت؟ وهل يعرف الشّعب الأمريكي أنّ أمريكا الدّيمقراطيّة تدعم بأموال مواطنيها الاستيطان على الأراضي العربيّة الفلسطينيّة المسلوبة المنهوبة من الفلاحين الفلسطينيّين؟
شاهدتُ ناشطا سياسيّا عربيّا شابّا على شاشة التّلفاز يقول:لا معنى لهذه الزّيارة لأنّنا لا نستطيع أن نغيّر شيئا في الرّأي العامّ الأمريكيّ. ولو قابلت هذا الشّابّ الوطنيّ لقلتُ له: لماذا تناضل منذ نعومة أظافرك لتخترق الشّارع الإسرائيليّ المعادي للسّلام وللمساواة؟ هل استسلمت يا عزيزي وقلت لا أمل بتغيّير الرّأي العامّ الإسرائيليّ ؟
إن معلومات كثيرة عن العرب في إسرائيل كانت مغيّبة عن المجتمع والأعلام الأمريكي بدأت تنكشف عليه وينكشف عليها وهذا على الأقلّ وسيلة ضغط على المؤسّسة الإسرائيليّة!
إن نجاح هذه الزّيارة فخر لجميع الجبهويّين واعتزاز لناخبي القائمة المشتركة التي وحّدت شعبنا في زمن التّناحر والفرقة والاقتتال.
صباح الخير يا أيمن عودة، صباح الزّعتر والياسمين والفيجن والميرميّة يا ولدي، لك ولرفاق الدّرب الذين أرضعوك السّياسة والحكمة والذين تسير معهم منتصبي القامات مرفوعي الهامات.
[email protected]