سيُذكر العام العبري الذي انتهى قبل عدة أيام بوصفه عاما شديد الاضطراب في سوق رأس المال. لقد تم افتتاح السنة العبرية الماضية في الوقت الذي كانت فيه البنوك المركزية العالمية في خضم سياسة تقييدية تتمثل في التشديد النقدي، والارتفاع الهائل في أسعار الفائدة التي كانت تهدف للتعامل مع التضخم الذي ضرب الأسواق العالمية بلا رحمة. يمكن الإشارة إلى أنه خلال الشهور الثلاثة قبل دخول العام العبري قد تم تسجيل رقم قياسي في التضخم هو الأعلى منذ أربعين عاما في الولايات المتحدة، مع معطى صارم يتمثل في 9.1%. وكانت الخشية الكبرى في الأسواق قد تمثلت في دخول الاقتصادات الكبرى في تباطؤ كبير في النمو، مع تفشي التضخم.
لم تبق أسواق رأس المال على حالها وغير مبالية بمخاوف الارتفاع، حيث واصلت المؤشرات الرئيسية في الشهور الثلاثة الأولى من السنة العبرية في الانخفاض الحاد، وقد سيطر التشاؤم في كل مكان، حيث تركت السيناريوهات المروعة المتمثلة في انكماش الاقتصاد العالمي بصمتها.
ورغم ما تقدم، ومع مرور الوقت، أدت السياسات النقدية التقييدية التي مارستها البنوك المركزية في العالم إلى انخفاض الطلب. كما أدى اعتدال أسعار السلع الأساسية، والتحسن الكبير في سلاسل التوريد إلى زيادة جانب العرض في المعادلة، وهو ما أدّى إلى الاعتدال في معدلات التضخم.
لقد تبددت الخشية الكبيرة من انكماش الاقتصاد العالمي مع ارتفاع التضخم، كما أسلفنا، في مواجهة واقع تمثل في معطيات مشجعة تشير إلى سقوط ناعم في السوق الأمريكية: حيث إن التضخم ينخفض بصورة كبيرة، وسوق العمل قد ظل متماسكا، بل وطرأ انخفاض على معدلات البطالة، أما الركود الاقتصادي الذي كان يُنظر إليه بوصفه سيناريو شبه مؤكد في الأسواق، فقد تم إقصاؤه جانبا.
وفي أوروبا، بدأت المعطيات أيضا تشير إلى بيئة اقتصادية قوية حيث تبددت التوقعات بانكماش الاقتصاد في ظل معطيات تشير إلى تباطؤ، لا غير: فمنسوب البطالة قد ظل منخفضا، وكان فصل الشتاء دافئا نسبيا في أوروبا، وهو ما بدد الخشية الكبيرة من حصول كارثة في مجال أسعار الطاقة، وما تسبب في انخفاض حاد في أسعار الغاز وزيادة في الدخل المتاح، والاستهلاك الخاص.
كان التغيير في المؤشرات الرائدة في العالم فوري، وعاد اللون الأخضر الساطع ليلون الشاشات، في حين لم يشارك السوق الإسرائيلي، بصورة استثنائية، في هذا الاحتفال الأخضر.
بعد ستة أيام من أداء الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين اليمين الدستوري، تم تقديم مبادرة دستورية لإجراء تغييرات جوهرية في الجهاز القضائي الإسرائيلي. هذه المبادرة المعروفة باسم الإصلاح القضائي. لقد أثار المشروع الدستوري جدلا شعبيا وأطلق احتجاجا واسع النطاق حيث يخرج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع، خشية من المساس بطابع إسرائيل بوصفها دولة ديمقراطية ليبرالية. وفي المقابل، هناك مجموعة سكانية كبيرة تؤيد تطبيق الإصلاح والمضي به قدما من دون تأجيل.
إن المخاوف الجدية من الأضرار التي قد تلحق بالاقتصاد المحلي بسبب الترويج للقانون بالصيغة التي تم اقتراحه بها لأول مرة، ومخاطر المساس بالتصنيف الائتماني لإسرائيل، إلى جانب إعادة نظر المستثمرين الأجانب في جدوى الاستثمار في إسرائيل مع التركيز على قطاع الهاي تك، الذي يعد محرك الاقتصاد الإسرائيلي، قد أثروا على المستثمرين في البورصة الإسرائيلية، حيث اختار هؤلاء تقليص ممتلكاتهم في السوق المحلية، وتحويل بعض استثماراتهم إلى الخارج.
في مراجعة أجراها بنك إسرائيل ابتداء من شهر نيسان (أبريل) الماضي، تم تقديم توقعات بأضرار تبلغ 14 مليار شيكل سنويا في السنوات الثلاث المقبلة، وهذه التوقعات معتدلة، في حين قدّرت التوقعات المتشددة أضرارا تبلغ حوالي 48 مليارا سنويا. وفي آب (أغسطس) رفع بنك إسرائيل من مستوى المخاطر في تقرير الاستقرار المالي لشهري كانون ثاني (يناير) وحتى حزيران (يونيو) من "متوسط إلى منخفض" إلى "متوسط إلى عالي"، كما أضاف بأن انعدام اليقين بشأن التغيير الدستوري قد رفع من المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.
لاحقا، بدا وأن هنالك رغبة لتخفيف صيغة القانون من جانب الحكومة، بل وشرعت في التحاور في هذا الموضوع على أمل التوصل إلى خطوط عريضة متفق عليها على نطاق واسع. إلا أن هذا التحاور لم يسفر عن شيء، حيث يتم المضي بمشروع القانون من فبل الحكومة بصورة مخففة عن الأصل، ويخضع أيضا في هذه الأيام للنظر من قبل المحكمة العليا.
سرعان ما تغلغلت الاضطرابات التي عصفت بالبلاد، بالسوق المحلية، والتي تنظر طوال الوقت بغيرة إلى المؤشرات الرئيسية في العالم، والتي ارتفعت بصورة حادة في أعقاب تحقيق نجاح باهر وتقليص التضخم في العالم، وخطر الركود الذي انخفض بشكل كبير، في حين تتوقع الأسواق انخفاض في أسعار الفائدة في بداية السنة الميلادية.
أدت الاهتزازات المتلاحقة المتمثلة في الخلاف حول الإصلاح القضائي إلى ضعف العملة المحلية بصورة واضحة في السوق المحلية، حيث ارتفع الدولار إلى مستوى 3.86 شيكل، وهي المستويات الأعلى التي وصل إليها في عز جائحة كورونا في آذار 2020. وقد ارتفع سعر الدولار خلال السنة العبرية التي انتهت قبل أيام بنحو 10%، وهو ما يقلق بنك إسرائيل، في حربه المتواصلة على التضخم.
ينتهي العام العبري في أجواء كئيبة بخصوص السوق المحلية، حيث إن المؤشر الرائد في السوق الإسرائيلي، مؤشر تل أبيب 35، قد أصبح أحمر اللون ويفقد نحو 5% من قيمته، أما مؤشر تل أبيب العقاري فقد انخفض بصورة حادة بـ 20%، في حين أن مؤشر ناسداك قد قفز بنحو 26%، ومؤشر S&P 500 قد ارتفع بنحو 20%، ومؤشر DAX الألماني سجل معطى مثير للإعجاب بلغ نحو 28%.
ما من شك في أن العام العبري المنصرم سيسجل في التاريخ كعام حافل بالأحداث في كل ما يتعلق بسوق رأس المال المحلي، بالنسبة للأغلبية المطلقة من الدول المرجعية في الخارج. نأمل أن تنتهي لعنة العام العبري المنصرم، وتبدأ بركة العام العبري الجديد.
بقلم: دانييل جورجي، مدير مكتب الأوراق المالية الإسرائيلية في بنك مركنتيل
[email protected]