في كل جولة انتخابية نعود إلى مناقشة وضعنا السياسي وطريقنا الذي يجب ن نسلكه في الانتخابات. وأقصد بذلك المواطنين العرب أو الناخبين على وجه الدقة، وأكثر ما يزعجني هو الحديث عن العرب كقطيع أو جسم متجانس، فقد ثبت أن المواطنين العرب ليسوا كتلة انتخابية أو سياسية واحدة، لذا لا يجوز الحديث عنهم وكأنهم جسم واحد حتى لو كانوا يتعرضون لنفس الأخطار والتحديات.
اليوم تجري الاستعدادات لخوض انتخابات الكنيست الـ25، أي سبق وشاركنا في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية 24 مرة، وبلغت ذروة وتيرة الاشتراك في الانتخابات في السنوات الثلاث الأخيرة حيث بلغت خمس انتخابات متتالية. وفي السنوات الأخيرة جربت الأحزاب العربية خوض الانتخابات بتحالفات وتوجهات مختلفة، مرة تحالف ثنائي، ومرة رباعي ومرة ثلاثي، كذلك جربت الأحزاب العربية الابتعاد عن موقع اتخاذ القرار سواء برغبتها أو نتيجة رفض الأحزاب الصهيونية من اشراكها في الائتلاف، وجربت دعم الائتلاف الحكومي من الخارج دون الدخول مباشرة في الائتلاف وعرف باسم "الكتلة المانعة"، بعدها تجرأت تلك الأحزاب أو معظمها على رفع شعار "التأثير من الداخل" نتيجة ضغط الشارع العربي الذي سئم ومل مقاعد الاحتياط ورغب بالدخول إلى أرض الملعب، فقامت تلك الأحزاب مجتمعة بالتوصية على أحد المرشحين لتركيب الحكومة، وتم ابعاد الأحزاب العربية مرة أخرى من قبل المدربين والمسؤولين الكبار في الدولة. ورأى أحد الأحزاب أنه لابد من دخول الملعب ولو بأسلوب التحايل بالقرب من المدرب ومجاملته والاستماع لتعليماته وخصوصا بعد الخروج عن الخط المرسوم له، ولعبت أحزاب آخر لعبة "نفسي فيه وتفوه عليه" فأوصت على أحد المرشحين لكنها امتنعت عن الدخول معه إلى غرفة النوم.
جربت أحزابنا طرقا وأساليب عمل سياسية مختلفة، اجتهد نوابنا بأفكارهم وأعمالهم، حاول ممثلونا تحقيق أقصى ما يستطيعون، لست في معرض التشكيك بصدق نوايا كل من مثل الجمهور العربي في الكنيست، لكن المسألة ليست مسألة نوايا وطموحات وتطلعات مشروعة، بل هي مسألة إنجازات وأعمال ملموسة على الأرض وفي الميدان. لقد ثبت أن المجال مغلق أمام نوابنا من التأثير على سياسات الحكومة المتعاقبة، وحتى عندما اقتربوا من ذلك عرفت الأحزاب الصهيونية بيمينها ويسارها، كيف تستبعد أحزابنا العربية وتسد الأبواب في وجوهها. حتى عندما حظي المرشح لتركيب الحكومة بيني غانتس بتوصية نواب "المشتركة" والتي تتيح له تشكيل الحكومة، قام بالتوجه نحو خصمه بيبي نتنياهو وقدم له التوصية والترشيح على "طبق من فضة"، ووجدت الكتل العربية نفسها خارج اللعبة عائدة إلى دكة الاحتياط مرغمة لا راغبة. وأعيدت الكرة ثانية مع المرشح يئير لبيد الذي حمل بدوره التوصية وقدمها على "بساط أحمر" تحت قدمي حليفه اليميني بينيت، ساكبا الماء البارد على وجوه نوابنا المساكين الذين مسحوا وجوههم خجلا وخيبة.
وهنا ظن أحد اللاعبين العرب أنه آن الأوان كي يدخل اللعبة من أوسع أبوابها، رافعا يافطة "التأثير من الداخل"، ودخل ملعب الائتلاف معتقدا أن دخوله آمن وثابت، وأنه سيحرز من خلاله العديد من الأهداف في الشباك، متجاهلا أن اللاعب كثيرا ما يحرز أهدافا "ذاتية" مهما بلغت مهارته. حاول اللاعب العربي مرارا أن يتخطى الخطوط المرسومة له، لكن المدرب وبتنسيق مع لاعبيه المطيعين أعطى الأوامر بعرقلة محاولة اللاعب "الشاطر" وافشاله، لكن اللاعب المتذاكي ما زال مصرا أنه على حق وأن بامكانه اختراق جميع الخطوط وتحطيم الأسوار التي تحول بينه وبين دخول الملعب ثانية، واللعب من جديد تحت رعاية أي مدرب كان، فهو لا يرى فرقا بين المدربين "العنصريين" وكل ما يهمه وكل مبتغاه أن يلعب في ملعبهم علّه يسجل هدفا يوما ما.
وهنا نصل الى جمهور الناخبين العرب والمواطنين العرب عامة، هذا الجمهور ليس من تشكيلة واحدة كما أشرت في مطلع المقال، لذا نجد فئة كبيرة وأمام الوضع الآني بكل اشكالياته باتت تشعر بنوع من الإحباط وخيبة الأمل من عملية التصويت، التي لم تحقق لها أدنى المطالب المجتمعية والحقوقية والسياسية، وتنضم هذه الفئة إلى فئة المقاطعين لدوافع مختلفة، ولتشكل – وفق الاستطلاعات- أكبر فئة تبلغ نحو 60% من مجموع المواطنين العرب. وتتحول فئة المصوتين إلى أقلية تصل إلى 40% تتوزع على مؤيدي الأحزاب العربية المختلفة بالأساس، وهناك فئات ولو انها قليلة حتى الآن التي تصوت للأحزاب الصهيونية.
أمام هذا الوضع المتشابك وما دمنا جربنا وسائل مختلفة من خلال ممارسة التصويت، ماذا يضيرنا لو امتنعنا عن التصويت في هذه الانتخابات، ولنترك الأحزاب الصهيونية تلعب لوحدها في ملعبها، لنرى أي نتيجة سيحققون والى أين سيصلون معها، هذا من ناحية ومن ناحية الأحزاب العربية، آن الأوان أن تتلقى "ضربة قاسية" من جمهورها، جراء ممارساتها، تعيدها إلى رشدها لتصحيح المسار.
[email protected]