في هذة الساعة المبكرة من الفجر أتحسس أطراف النافذة بهدوء وأفكر بعمق ليس هناك مايثير صباحي سوى نافذتي وعصافير صغيرة تحط على نافذتي وتهمس لي يا أشرف ..فاليوم هو 21 مارس ، شرع النوافذ ، هبنا بعضاً من أحلامك الصغيرة حتى نحلق بها ، تك تك تطرق العصافير نافذتي وكأنها على موعد معي ، أسمع العصافير بـ صوتها
.المبحوح الخجول تهمس لي اليوم عيد الأم يا أشرف
رحتُ مسرعاً أرتب سريري البارد علّ دفء دعائك يمسه يا امي ، وجلست أمام مكتبتي وقلمي الأزرق بين أحضان دفتري يدعوني لنثر شظايا شوقي وحبي ، ولكن يا أمي مقامك لا تبلغة كل أساطير اللغات ، وكل الكلمات التي سأكتبها لكِ سأتأمل قامتها المتقزمة بإزداء ، فكل الكلمات والقوافي والمعاجم تغدو أمامكِ فقيرة ، فأخبريني بالله عليكِ ، بأي لغة أكتبكِ ؟ سأصنع ل أجلك لغة منفردة مُستخلصة من عبق الجنة .
فاخط لك يا سيدة العمر في ساعات الليل الاخيرة وكل الكائنات رقدة ، الا أنا وحدي وعصافيري وحفيف سرير غرفتي يصبغ ما حولي بتراتيل الحب والشوق والصمت ، أبحث عنك بزوايا غرفتي الباردة بين الصور المعلقة فلا ارى في مخيلتي غير وجهك الملائكي وظلال يدك الدافئة .. فأخاطبك بوجل وكلماتي واحلامي تتصبب في منديلي ، أحاول أتلمسك دسيساً ، وعلى صدغي أنشودة "ست الحبايب يا حبيبة يا أغلى من روحي ودمي" ، أترقبك من خلف الكلمات أبحث عنك لأختبئ في أحضانك حين أبكي لأدس أنفسي الصغير في معطفك الدافئ ، وأكرر بصوتي الطفولي "يما شتقتلك" نعم أنها أضعف لحظاتي حين يثقل كاهلي الحنين لوالدتي لصوتها ..لدفئها ..لأشيائها لصورتها ..ولعطرها ولفستانها الأسود المنقط ، تكتكة الساعة وصوت الحنين جميعنا ننتظرها بغرفتي هذه الليلة ولكنها لا تأتي. أمي
كانت ولازالت معضلة لحرفي تقف أمامها السطور في خشوع وتتوارى الحروف خجلاً تقبل كفي الكلمات ثلاثاً ، الأ أجازف وأكتب عنها حسناً ، حاولت كثيراً الهرب بل قاومت كثيرا الكتابة إليها أو عنها ، فهي لليست لغة صعبة هي حب يصعب كتابتة ويستحيل تسجيدة ، فأن الامومة لفظ يحمل سراً، يجيّش الكيان بكل أروقة الجسد ويفعمة بالروح ، ويسري في الروح نوراً فريداً مضيئاً، ليملأ النفس بالعرفان أمتنانا كثيرا، ويتردد في القلب حبا وشوقا وحنينا، ويشف بالاحساس رهفا عجيبا, لطيفا رائعا ليترك بصمات لا تنسى،فالأم مثل وردة جورية ساجدة في أعماق النفس تسقي الروح بشذى عبقها الرائع الفائح في كل المعمورة,حتى تنفق كل رحيقها ويدركها التلف في سبيل أروائنا ,ليجسد هذا المشهد جزء من عاطفة الام التي لا حدود لها.
وما كان تحديد هذا التاريخ لعيد الأم ، الا للتذكير بأن امهاتنا هنّ ربيع الحياة ، حتى ولو بلغن مرحلة الشيخوخة ,نكرم امهاتنا في هذا اليوم وفي كل الايام ,حيث ان تكريم الأم واجب محتم علينا فهو تكريم لإنسانية الإنسان ولعطائة,فالأم تعطي أبناءها بلا حدود من كيانها وكينونتها حباً وحناناً، وتتجلى هذه العلاقة في عاطفة تتخطى في مظهرها وجوهرها حواجز العقل والمنطق, اذ انها ملح هذه الارض وهي المحرك الأساسي في حياتنا وهي قوام الأسرة وعمدتها ,تتفاعل مع أدق تفاصيل حياتنا ونبضات قلوبنا,تعطي ولا تنتظر مقابلاً ,مثل النبع المعطاء الذي لا ينضب ،تلقي نفسها في زواريب الحياة الضيقة لتزرع دروبنا بالورود,هي الام التي تفدي نفسها وعمرها دون كلل او ملل في سبيل فلذات اكبادها, وهي التي سهرت كل الليل واقفة على الاطلال تهلل لنا و تهز سرير أطفالها حتى أهتزت اساريرها,فالام مثل الشمعة التي تنصهر لتضيء حياة ابناءها وتنور طريقهم وفكرهم,هي التي اعطتنا كل هذة التضحية الممزوجة بالألم ورغم ذلك كانت البسمة تعلو محياها, فكل هذة المعلقات الرائعة ترسمها الام بريشة من الرقة والعطف والحنان لتكونَ صورة وطيف امي,لاعلقها على حائط ذكرياتي الى مدى الدهر. أنتي الأمان,انتي الحنان,من تحت قدميك لنا الجنان.... ليس اليوم عيدك يا أمي, بل كل يوم,لإنّ قيمة “الأمومة” ليست قيمة ندركها ليوم واحد فقط في العام، ولن نفيها حقها الطبيعي بالعيد كما ينبغي فقط عبراحتفالات والهدايا ومظاهر التكريم ، بل فأن مكانتك راسخة في جميع الأديان السماوية ,ومنذ بدء الخليقة,وإن كانت الحياة بغظمتها قد صورتك أنك محل التجدد والاستمرار للبشرية ,فإن أبناءك وجدوكِ واحة للحب والحنان,فأنت المحور الاساسي الذي يتجولون في فلكة, ومرسى آمناً يحميهم من غدر البحر وأمواجه, فأنت الأمان ,أنت كل شيء. وهنا أتذكر أمي في هذه اللحظة,لا أدري ماذا أكتب لك يا ايتها الغالية في عيدك , هل يكفي إنك من أنجبتني وخيرك فاض على نفسي وهل يحق لي أن أفخر بك وأمام العالم, لن أسميك أم بل سأسميك ، كل شيء ,فعلا انت كل شيء , فكل جهود الكون لا تجازي زفرة من زفراتك, وكل ما أستطيع البوح لك في عيدك يا أمي إنني أحبك , وانني ما زلت ابحث عنها هنا كل صباح ومساء أقلب صورتها على جدران مخيلتي, أتطلع بين طوابيرالأمهات أبحث عن طيف امي , أبحث عن كسرة خبز من خبز أمي,وطبخة من طبخات امي فلا أجد فيشتد بي الحنان الى أمي بل والى لمسة أمي ودمعة أمي وصوت امي وأقول آه يا امي..وكل عام وانت بألف خير,كأسك يا امي. اسمحوا لي بأن أتوجه الى جميع الامهات في العالم بأجمل التهاني القلبية راجياً من اللة أن يحفظكن لتستطيعوا القيام بواجبكن السامي تجاه البشرية جمعاء,وكل عام وانتن بألف خير ودمتم ذخراً لنا .
[email protected]