أؤمن أن كل ممارسات الاعتداء توجه إليك أو لمعتقداتك أو لمقدساتك تعني أنك تعلو، أنك شئ مهم، كبير، يملأ الأسماع ويهز الأقلام، قهراً ووجعاً ليبث ما في العمق دفاعا ونصرة لسيد السلام وفادي المعمورة يسوع المسيح وعن بيتة المقدس وعن شعبة الآبي الصامد ، فنحن ملح هذه الأرض ، نحن هديل حمامها ، نحن غيث مطرها ، نحن سحابها وقلوبنا مغروزة كالسهام في عمق هذه الأرض وأي محاولة لضرب عمقنا المسيحي والاعتداء علينا وعلى مقدساتنا ما هي إلا محاولة فاشلة وحيثياتها وأصدائها خطيرة على المستوى المحلي والعالمي، فقد أثبتنا ولا نزال نتيجة لثقافتنا المتنوعة ممثلة بمؤسساتنا الكنسية والدينية المتنوعة ، نخلق تحدياً مستمراً في الثقافة والفكر, وهجرتنا أو التضييق علينا يلغي هذا المعنى وهذا المفهوم، باعتباره تنوعاً غنياً وشبة معدوم، وتسلخنا عن أصولنا والتاريخية الأصلية المتجذرة في الجليل والشرق لتحولنا إلى غرباء في أرضنا وأوطاننا ، أن احترام ومحبة الأخر المختلف عنا ، هو الا محور أساسي ورئيسي في الدين المسيحي وشريعة من شرائع الرب ، رافضين بشكل قاطع المس بمشاعر أي طائفة كانت من منطلق أيماننا بأننا كلنا بشر وأننا كلنا سواسية أمام الرب , وبمقابل هذا الحب نرى الكثير من الشر والكراهية والبغض التي تتعزز من خلال المحاولات المستمرة التي تهدف بالمس في كنائس الطائفة المسيحية في البلاد المقدسة والشرق تحديدا.
في الشرق قصص لا تنتهي ، تهديد ووعيد. جزية. كنائس مهدمّة. كهنة مذبوحون. معاناة ارتسمت معالمها في الشرق منذ سنين ومازالت تحدد حيثياتها بالدم، حيث يعيش المسيحيون , أبناء الشرق الاضطهاد في وطن مشتت خالً ,دون أي حماية ليتحولوا إلى غرباء في أوطانهم,حيث تطال الاعتداءات المتتالية والمتنوعة على منازل المسيحيين وحرماتهم وأرواحهم وأعراضهم ومقدساتهم ، واليوم ها نحن نتعرض لأعتداء جديد على أحدى أهم كنائسنا المقدسة في هذا العالم ، ولكن هذة المرة المكان مختلف تماماً أما المشهد هو ذاتة ، وهذة المرة في دولة إسرائيل الديمقراطية ، حيث قامت مجموعة من قطعان الكلاب الضالة بالاعتداء السافر على أهم المعالم التاريخية والدينية وهي كنيسة التكثير "الخبز والسمك" في شمال مدينة طبريا في الجليل , مما أدى إلى احتراق قسم كبير منها وإتلاف جميع محتوياتها في مشهد مؤلم تقشعر له الأبدان , ليؤكد لنا هذا الخبر مرة أخرى مدى العنصرية المتفشية والتطرف التي تجتاح المجتمع الإسرائيلي بكل فئاته وطوائفه وان دل ذلك على شيء فهو يدل على الانحطاط الأخلاقي الذي بدأ ينهش جسد هذة الارض ,فأن هذا الاعتداء البشع والتافهة والفارغ من أي مضمون أنساني على كنيسة الطابغة , خارج عن كل مبدأ أخلاقي وعقائدي وإنساني ولا تشرعنه أي ديانة سماوية مبنية على أسس المحبة والاحترام وهدفه هو نشر الرعب في قلوب المسيحيين ودفعهم للهجرة من بلادهم ,مؤكدا أن سلسلة الاعتداءات على المسيحيين في الأرض المقدسة أخذت حيزا هاما على مر السنين وسرعان ما بدأت هذه الاعتداءات تطال الكنائس المسيحية في كل البلاد المقدسة ، ولكننا نقول لجميع الأطراف ، أننا هنا صامدون ، هنا في أرض سيدنا يسوع المسيح ، وأننا قوم لا يخاف لأننا بعد الموت نقوم وننتصر وأبواب الجحيم لن تقوى علينا.
كنيسة الحجر والبشر ما بين الشرق والطابغة
لامعنى للحجر بدون البشر والعكس صحيح فالإنسان هو الذي يعطي قيمة للحجر وهو المخلوق الوحيد الذي يروحن الوجود بفكرة وحبة ، وهو الأيقونة الحية لوجه الله على الأرض، ومن هنا فمَن يمارس عليه الظلم والذل والقهر والطغيان انما هو يشوة صورة الله، وكل ديانات الأرض تحترم الشخص البشري وتعترف بقيمتة مهما كان هناك إختلاف بالأراء والمواقف، ولا عجب إذا قال يوحنا الرسول "إذا قال أحد: إني أُحب الله وهو يبغض أخاه كان كاذبًا" لأن الذي لا يحب أخاه وهو يراه لا يستطيع أن يحب الله وهو لا يراه ، أمام هذه التأملات الوجدانية الصادقة وأمام الوجع الكبير نحو الطابغة ورغم هذا لم تذرف عيني دمعةً واحدة أمام ما حل من خراب كنيسة الطابغة التاريخية ، فمن شارك أحزان أهلة المسيحيين في الشرق بكل لحظاتهم ، ومن تابع وراقب شوارع حمص الكئيبة، كنائس الموصل الحزينة،نجع حمادي الصامتة،معلولا وصدد المزينة والمزخرفة بجبال من الأوساخ والقمامة ، ومن شاهد الوجوه الحائرة المتألمة التي تنظر إلى الأفق البعيد متمتمة ، مصلية، داعية، معاتبة، لماذا يارب؟ وإلى متى يا رب؟ وإلى أين يارب؟ لن يذرف دموعاً على كنيسة الطابغة بل سيذرف نهراً من الدموع على كنائس الشرق كلها.
أمام هذا الأسى المشرقي العميق ، أمام هذه الشدة ، أمام دموع شعبنا المسيحي ، حرق كنيسة الطابغة لقد أوجعنا في الصميم وماذا عن أخوتنا المسيحيين الذين دمرت كل كنائسهم وهدمت كل بيوتهم ودنست كنائسهم ونبشت قبورهم وقتل أطفالهم !؟ أمام كلِّ هذا لم نعد نرى في خراب كنيسة الطابغة أمرًا عظيمًا، علمًا أن الخراب الذي طال الكنيسة كان عظيماً جداً إنما أُقسم وأنا صادق بقسمي أن شعرة من رأس شهيد مسيحي تعادل أكثر من سقوط أكبر كاتدرائية في هذا الشرق ، الحجر يرمم بسواعد رجالنا ونسائنا والاجراس ستدق بهمة أهلنا ، ولكن ما قيمة الحجر عندما يفقد البشر وما جدوى المعابد ، أذا فرغت البيوت من اصحابها ؟!
رغم ذلك ما يعزيني ، ويفرج عن كربي أنَ رغم كل ما حل في كنيسة الطابغة "الخبز والسمك" فالحياة مازالت تنبض هناك وتبشر بمستقبلٍ جميل ، وما زال كهنة الكنيسة وراهباتها ورهبانها يقيمون الصلوات وسطَ الركام ، وسط الأناجيل المحروقة المشتتة في كل مكان وسط الايقونات الحزينة الباكية ، ورغم ذلك وما زال عطر البخور يفوح عطرًا، وصلاةً ودعاءً وأملاً ورجاءً وحُبًّا وعتابًا، لماذا ، لماذا؟!
.الأسئلة ! نعم أنها دوماً الأسئلة ولا شيء غير الأسئلة المستعصية , أنها تعذبني فهي تدخلني وسط دهاليزها وتسد وراءها كل المنافذ , فلن تكون كلماتي أقسى من تلك القلوب , فاسمحوا لي اليوم بالذات, لأني سأصرخ عاليا مثل الصارخ في البرية ، من أعماق الروح والقلب , متسألاً ما هي نوعية تلك القلوب التي يملكونها في طياتهم ,فأنا لم أتعلم يوما أن هنالك بشر يحملون حجارة بدلاً من القلوب , وتلك الحجارة باتت تدفق الدماء الوسخة المتعفنة لأعضاء الجسم,فيموت ذاك العضو ويموت الإحساس معه, أتساءل كيف يملكون القوة باقتحام بيوت الرب دون رحمة ,في مكان من المفترض أن يكون معبدا للخشوع والتقوى والمحبة .أي عقيدة وأي شريعة تسمح بإباحة الأماكن المقدسة وتدنيسها ,لما هذا الصمت الكئيب المقفر ؟! أحراق دور عبادتنا في الشرق وتدنيس كنائسنا أصبح أمرا عاديا روتينياً لا يستوجب الرد علية وأن استوجبت القضية ذلك نكتفي برفع الصوت والتنديد والتعاطف من زاوية البعد الإنساني العاطفي,فيا لا درامية الإحساس بصغار الموقف وضخامة المأساة , لقد باتت الدموع الوسيلة الوحيدة التي تحاكي واقع طائفة واقفة على حدود الغياب من هذا الشرق .
أنني أدعوكم ,أن تتحلوا بثقافة السلام وهي أولا وقبل كل شيء، ثقافة للسلام مع الله، وبالتالي فهي ثقافة للسلام مع خلقه، أفرادا وجماعات، ثقافة ضد التطرف سواء بدافع قوة السلاح أو باسم الدين، أقولها بدون خوف ولا تردد , كفى للإقصاء كفى للإلغاء لا للتهميش لا للتعصب لا للقتل لا للاعتداء على دور العبادة .. نعزي أنفسنا على هذة الحادثة ، واليوم الأحد 21.6.2015 نجتمع كلنا في وقفة أحتجاجية صامتة أمام كنيسة الطابغة ، وقفة المسيحيين الاحرار ، وقفة تضامن وقفة فرح وعزة وكرامة ، لأننا اليوم كلنا كنيسة الطابغة ، من شفاعمرو كلنا طابغة ، من الناصرة كلنا طابغة ، من حيفا كلنا طابغة ، من الرامة وعيلبون والمغار ودير حنا وسخنين وترشيحا وكفرياسيف ومعليا وفسوطة والجش والمكر والجديدة ويافة الناصرة والرينة وكفرسميع والقدس كلنا الطابغة ، اليوم نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى للوحدة المسيحية في الأرض المقدسة، نعم أن نتوحد في المسيح رب المجد وأن نكون يداً واحدة من أجل حماية رموزنا ومقدساتنا المسيحية ومن اجل أثبات الذات والعلو بها ،ومن هنا وعبر هذة المقالة أطالب كل الشخصيات المسيحية الدينية منها والاجتماعية والسياسية وكل من موقعة ومكانة ، بمطالبة الشرطة والمؤسسات الأمنية والحكومة الإسرائيلية بأعتقال المعتدين بإسرع وقت ممكن وتقديهم للعدالة وأستخلاص العبر لمنع حوادث مماثلة في المستقبل ، من أجل رد الاعتبار لنا وللطائفة المسيحية ،ومن أحل سيادة القانون من أجل بقاء اسرائيل دولة ديمقراطية تحترم الحريات وتضمن حماية دور العبادة والمقدسات المسيحية والدرزية والاسلامية واليهودية..
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]