رغم ظروف، إمكانيّات، ومتاعب الحياة قديمًا، إلّا أن تلك الفترة الزمنية كانت جميلة تسودها هداة البال والسعادة على بساطتها. كانت النخوة، الشهامة، العفوية، التواضع، ووجود أصحاب عقول متزنة ومصلحين من أبرز مظاهر المجتمع، وقد ربطت الناس علاقة مبنية على المحبة والتآخي واحترام الكبير، سواء كنت تعرفه مسبقًا أم لا تعرفه.
كان المجتمع صمام الأمان لحفظ الأخلاق والقيم من الضياع والاندثار، وكانت أعرافه بين الناس بمثابة ميثاق يصعب اختراقه وتجاوزه، باعتبارها أهم الركائز التي تبنى عليها المجتمعات، وتقام عليها الأمم؛ كونها أفضل المحاسن لدى المجتمعات، وتعكس ثقافة الأمم ورقيها بحيث تكون حجر الأساس، فإذا انعدمت مثل هذه الصفات فسد المجتمع واختل الأمن والاستقرار، وانتشرت الفوضى والجهل لتصبح شريعة الغاب سيدة الموقف.
الذين لا يذكرون الماضي حكم عليهم بإعادته، وقد نحب ذلك الماضي؛ لأنه رحل، ولكن إن عاد فسوف نكرهه، وإذا كانت لدينا الإمكانية للتحكم به، فلا بد أن نتحكم في المستقبل وبالعكس.
رغم ما تقدم، وإن كان الماضي صافيا مفرحا أو حزينا، يبقى له طابعه المميز وأحداثه التي ودعناها بآهاته، فهو يعيد في كل فترة زمنية إلى قلوبنا وعقولنا أروع ذكرياته وألحانه.
قال تشرتشل: "لو بدأنا معركة بين الماضي والحاضر فسوف نجد أننا خسرنا المستقبل".
نعم، في عيوننا حنين وشوق للماضي والزمن الجميل، والجلوس في الأحياء والأزقة التي ملأت دفْء القصص وحكايا أيام زمان، استقبال العيد بحفاوة خبز الطابون، مناقيش الزعتر بزيت الزيتون، مواقد الحطب ورائحة القهوة العربية بالهيل.
أما في زمننا هذا، زمن ركب الحضارة السريع، فيعاني مجتمعنا من أزمة القيم والأخلاق الآخذة بالتردّي، وقد فقدنا السيطرة عليها، وأصبحت ظاهرة مقلقة لحياتنا اليومية، ونحن مشغولون بالعالم الافتراضي عن العالم الواقعي، الامر الذي سبب انتشار الانطوائية والعزلة العميقة.
للخلاصة، نحن في سباق ماراثوني مع هذا الزمن العصيب؛ إما أن يقتلنا التخلف والأنانية، أو يقتلنا التاريخ، فالقادم مكتوب والماضي لن يختفي والحظ ليس أهلا للثقة، لذا من الضروري أن نكون يقظين وأقوياء لنعيش حياة كريمة!!
[email protected]