كشفت الفترة الأخيرة الماضية السابقة على الانتخابات البرلمانية الوشيكة عن الكثير من المُخبآت وفجّرت الكثير من الألغام التي كمنت في أرض بلادنا على مدار العشرات من السنين، وقد تمركزت هذه المُخبآت في العديد من النقاط التي سأحاول ذكرها والتطرق إليها فيما يلي مُشيرًا أن ما سأورده مبنيٌّ على متابعة يومية فائقة الاهتمام، ويقصد أول ما يقصد إلى تسليط الضوء على شيء من المسكوت عنه، أما مصدري في هذا هو نبض الشارع المنعكس في أفعال وأقوال لا تخلو من التخبط من ناحية، وفي أقوال أُخرى لا تخلو من مصالح شخصية ضيقة لهذه الشخصية الحالمة أو ذلك الحزب المتسلط من ناحية أُخرى.
الوطني والاجتماعي
يتمثّل أول هذه الألغام في الفرق بين الوطني والاجتماعي، فبعد أكثر من سبعة عقود ونيف على وجودنا في هذه البلاد، ها نحن نستمع إلى الأصوات تتصاعد متسائلة عما حققته لنا الأحزاب السياسية التي رفعت لواء الوطنية وأقنعت الجميع بطرائقها الخاصة أنها تعمل من أجلها، في وقت عملت من أجل مصالحها المبنية على طموحات أشخاص كل همهم أن يكونوا موظفين كبارًا حتى لو اقتضى الأمر معهم أن يتوجهوا في خطاب مزدوج للمجتمعين العربي والعبري، ففي حين يتوجهون إلى المجتمع العربي بنغمة عالية تعلي من شأن الوطنية والوطن دأبوا على التوجه إلى المجتمع العبري بنغمة لا تخلو من مكر وميل إلى التواطؤ المضمرين، وقد عمل هؤلاء كما بات الأمر واضحًا أو قريبًا من الوضوح من أجل مصالحهم الخاصة وألا لماذا إدعوا أن خصومهم السياسيين يطمعون في المقعد البرلماني في حين تمسكوا هم بهذا المقعد أطول مدة مزمنة مكنهم منها ذكاؤهم وأكاد أقول مكرهم، واضح أنني هنا لست ضد الخطاب الوطني وإنما أنا ضد الخطاب المتلون الذي يصرّح بأمر ويخفي مصلحة حزبية أو شخصية طمعًا في وظيفة كبيرة توفر له الجاه والوجاهة.
النجومية والحزبية
منذ علا نجم عضو كنيست واصل الليل بالنهار لتسليط الضوء على نفسه متوسلًا بكل ما لديه من تذاكٍ بهدف تشغيل من هو معني بهم من أقارب ومحيطين به، ومنذ إتقانه اللعبة بين البيضة والحجر وتحقيقه بالتالي كل ما يريده ويرغب به من مكانة، بات هذا العضو محط أنظار العديدين وبينهم أعضاء كنيست ليسوا مُستقلين وإنما هم يمثلون هذا الحزب أو تلك الحركة، فراح أحد هؤلاء يغرّد خارج السرب ضمن محاولة مستميتة لكسب نجومية مماثلة لتلك التي أحرزها سابقه مع إضافة شيء من توابل طبخة الواقع ومتطلباتها، فراح يركّز على المطالب اليومية للمجتمع العربي الذي أدرك صاحبنا أنه ملّ من التصريحات الطنانة الرنانة، تلك التصريحات التي لا تعدو كونها جعجعة هي أبعد ما تكون عن الطحين وتخلو أو تكاد أن تخلو منه خلوًّا تامًا، لقد أصاب هذا السيد المحترم الشيء الكثير من كبد الحقيقة في توصيف الدواء إلا أنه أخطأ في أنه لا يمتلك الدواء المناسب كما امتلك سابقه، وأقصد بهذا ذلك النجم الذي لعب على كل الحبال وتمكّن دائمًا من العثور على حبله الخاص به، ذلك الحبل الذي سيجعل منه عضو كنيست مزمنًا بادعاء واهٍ هو أنه صاحب معرفة وخبرة وكأنما من أنجبته لا يمكنها أن تنجب مثيلًا له.
التركيبة الوحدوية
منذ اضطرت أحزابنا المظفّرة إلى إقامة إطار قسري جراء رفع نسبة الحسم للحصول على عضوية الكنيست قبل سنوات، ومنذ جَمَعَ هذا بينها في تحقيق ما رنا إليه الكثيرون من الوطنيين الشرفاء في بلادنا دون أن يكون لهم ما رنوا إليه وتمنوه أي منذ جمعت بينهم جميعًا أقصى اليمين وأقصى اليسار، المصلحة الخاصة الضيقة، ولم يجمع بينهم الهمّ الوطني المطلوب والمرغوب به، منذ ذلك الوقت حتى هذه الانتخابات القريبة ونحن نستمع إلى تلك الأصوات المتناطحة حول التركيبة الوحدوية لهذا الإطار المهلهل، وقد تركز النقاش طوال الوقت على توازن القوى ولم يأخذ بنظر الاعتبار المصلحة الوطنية بقدر ما أخذ بهذه العين المصلحة الحزبية وما توفره من عضوية الكنيست من ميزانيات تُمكن أعضاء الحزب وأقترب من القول أفراد الشلة من المحافظة على قوتهم، وقد لاحظ الجمهور هذا التناطح وراقبه من بعيد أولًا ومن قريب ثانيًا ليكتشف عن أن عضوية الكنيست باتت أو كادت للتخفيفي المخيف للبعض وظيفة كبيرة توفر لصاحبها الجاه والنجومية وسط تحلب أطماع المحيطين أي باتت بوضوح لا وضوح بعده تتغطى برداء الوطنية من أجل المحافظة على كينونتها ومكانتها.
نتنياهو
كشفت الانتخابات الأخيرة المتتالية والمتسارعة المتسابقة مع آنها وأوانها فجأة قوة الصوت العربي في المعادلة السياسية الاسرائيلية، وكان أول من انتبه إلى هذا الكشف على ما بدا رئيس الحكومة السيد بيبي نتنياهو، فراح يبذل المجهود تلو المجهود للحصول على هذا الصوت ساعده فيما بذله أمران أحدهما التمزقات السياسية في مجتمعنا العربي من ناحية ومن ناحية أُخرى حاجة مجتمعنا لأن يرى طحينًا حقيقيًا بعد أكثر من سبعين عامًا من الجعجعة البعيدة عن الطحين والمدّعية أنها قريبة منه، فيما يتعلق بالشق الأول من هذين الأمرين الرئيسيين نقول أن الصراع الضاري بين الأحزاب العربية على المغانم والأنفال المزعومة مكّن السيد نتنياهو من الدخول إلى صميم مجتمعنا العربي والتغلغل إلى عصبه الحسّاس مُعتمدًا على أشخاص لهم وزنهم السياسي والاجتماعي شئنا أو أبينا، وكانت زيارته للناصرة واحدة من أكبر الاختراقات لمجتمعنا، أما فيما يتعلق بالشق الثاني فإن الرغبة في العيش بكرامة حقيقية على أرض الآباء والأجداد لدى مجتمعنا العربي وما يمكن أن يوفره هذا العيش من بحبوحة اقتصادية لا سيما في زمن الكورونا الضيق من هذه الناحية، كل هذا فتح الامكانية لدى السيد نتنياهو أن يقترب أكثر فأكثر من مجتمعنا العربي وقد ساعده في هذا سداد في القول وتنفذّ في الموقع، كما ساعده في هذا ما تكرمت به استطلاعات الراي من تراجع الوحدة الحزبية العربية من 15 مقعدًا في الانتخابات السابقة إلى 10 مقاعد في الانتخابات القريبة وهو ما يعني الاقتراب أكثر فأكثر من خفوت الصوت السياسي وسكب المزيد من الوقود على شعلة الصوت الاجتماعي.
إن مجتمعنا العربي باختصار بسيط يقف حاليًا على حافة منعطف تاريخي خطير، منعطف كشف عن الكثير من المُخبآت والألغام النائمة منذ عام 48 ولامس في الآن ذاته لبّ القضايا الاجتماعية الحارقة في الزمن الكوروني المُدمر وهو ما فتح الإمكانية واسعة لنتنياهو وللمزيد من التخبط لدى أبناء مجتمعنا العربي.
[email protected]