" كرمت الزيتونة في القرآن الكريم وكانت التوراة قد ذكرتها من قبل، أمّا المسيحيون فيمسحون بزيتها أطفالهم ساعة عمّادهم. هذه الشجرة المباركة كانت وما زالت أغصانها رمزا للسلام.." هذا ما يقوله الباحث د. شكري عراف في كتابه "الأرض، الإنسان والجهد". هذه الشجرة المقدسة وصاحبة المكانة المرموقة لدى شعوب الشرق ولا سيما في فلسطين، والتي يجتهد أهلنا في هذه الأيام بجني محصولها بما يعرف باسم "موسم الزيتون"، تتعرض لجريمة مستمرة بل مجزرة بحقها، يجدر بنا الالتفات اليها والتصدي لها.
شجرة الزيتون للأسف تعرضت وتتعرض الى جانب الاهتمام بها، الى نوع من الإهمال والى اعتداءات مقصودة عليها، يمكن اعتبارها جريمة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، والجريمة البشعة ضد الزيتون التي تنفذ حاليا في فلسطين تنقسم الى قسمين. الأول الجريمة التي ينفذها المستوطنون اليهود في مناطق الضفة الغربية، والثاني ما ينفذه عدد من أهلنا وأبناء مجتمعنا في مناطق "دولة إسرائيل".
في الجانب الفلسطيني يواصل المستوطنون الاعتداءات الهمجية على شجرة الزيتون، بأشكال وصور مختلفة، منها قطع الأشجار بالمئات في كل موسم، منع أصحاب كروم الزيتون من الوصول اليها وقطف ثمارها، وبذلك إضاعة محصول عشرات العائلات وتخريب الشجر، الاعتداء ومهاجمة الفلاحين وأصحاب الزيتون في الأرض أو خلال توجههم للمكان، وكل ذلك دون تحرك يذكر من جانب السلطات الإسرائيلية المتمثلة بالجيش وقوات الأمن المختلفة، التي تقدم الدعم والعون والمساندة للمستوطنين الغزاة بدل أن تردع المعتدين. ويكشف لنا الصحفي الإسرائيلي الجريء غدعون ليفي، من خلال زاويته الأسبوعية "منطقة التعتيم" التي يدأب على نشرها منذ سنوات في صحيفة "هآرتس". وآخر ما نقله الكاتب في هذا الصدد يوم الجمعة الماضي عن هجوم أربعة مستوطنين على فلاح كهل يبلغ من العمر 73 عاما، يدعى خليل عميرة من قرية نعلين بجانب رام الله، لدى مغادرته أرضه بعدما قطف زيتونه القليل هذا العام، فهاجمه أربعة مستوطنين بالحجارة أمام أعين ابنته وأحفاده الصغار، وأصابوه في رأسه وكادوا يقتلونه بالحجارة الكبيرة التي قذفوها نحوه. وكذلك الفلاح محمود أبو صبحية من قرية جبعا، القريبة من مستوطنة "بيتار عيليت"، له أرض من 22 دونم، زرعها والده بشجر الزيتون ويقوم محمود برعايتها. عندما ذهب لكرمه بعد طول وقت نتيجة لحجر كورونا، فوجيء بأن معظم أشجار الكرم تعرضت للقطع والنشر ولم يبق منها سوى الجذع والبعض الآخر اقتلعوه من جذوره. كما قام المستوطنون بالاعتداء في حادثة مشابهة على كرم خالد مشالله حيث أجهزوا على 220 شجرة، وشاهدنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي أحد الفلاحين الفلسطينيين يغالب دموعه الحارقة، بعدما عاين اعتداء المستوطنين الهمجي على زيتونه الذي أجهز على 300 شجرة. ومثل هذه الحوادث الاجرامية تقع على مدار السنوات، ويقوم جنود الاحتلال بالتغطية على تلك الاعتداءات وبالتالي فهم شركاء في الجريمة كما يصفهم الشاعر الفلسطيني محمود درويش:
"لكن، هؤلاء الجنود، هؤلاء الجنود الجدد،
يحاصرونها بالجرافات ويجتثونها من سلالة الأرض".
أما في منطقتنا فالاعتداء يختلف شكلا وليس مضمونا، حيث يقوم البعض ممن ينوي التخلص من بقايا أعمال الترميم في البيت، أو من يريد التخلص من جيفة، أو نفايات مختلفة، يبحث عن أرض مزروعة بالزيتون، ومن أحد أطرافها البعيدة عن أعين الناس، يقوم بقذف تلك القاذورات والنفايات بشكل عشوائي، قريبا من أشجار الزيتون، فتنتشر الروائح الكريهة لعدة أيام، ويصبح من الصعب على صاحب الزيتون القيام بأعمال التنظيف والتحضير للموسم الذي ينتظره بفارغ الصبر. إن ما يقوم به البعض هو اعتداء فاضح على شجرة الزيتون المقدسة، واعتداء على الطبيعة وجودتها ومخالفة للقوانين، والأهم هو خروج عن المألوف واحترام الأشجار ومكانتها واحترام أملاك الآخرين من أقارب ومعارف وأبناء بلد واحد، وبالتالي هذا خروج عن الأخلاق والضمير.
صحيح أن أهداف ومنطلقات الاعتداء على الزيتون تختلف بين هنا وهناك، لكن الاعتداء هو اعتداء والإساءة هي الإساءة. وسبق أن التفت شعراؤنا الى شجرة الزيتون وقدسيتها وضرورة احترامها والاعتناء بها، فهذا شاعرنا محمود درويش يجعل الزيتون اسما لأحد دواوينه "أوراق الزيتون"، وينوه في احدى قصائده الى رمزية السلام لها: " هي لون السلام إذا احتاج السلام إلى فصيلة لون". والشاعر سميح القاسم، ابن قرية الرامة الجليلية المشهورة بزيتونها العريق، يتغنى بالزيتون كذلك. وآخر ما نشر عن الزيتون للشاعرة روز اليوسف شعبان، ابنة قرية طرعان الجليلية، فتقول في آخر قصائدها:
" وهناك!!!تحت شجرة الزيتون
ولدنا...
ووُلِدتْ أنشودةُ الحبِّ
ليبوسَ
ولكلِّ البشر!!"
ولأن شجرة الزيتون هي رمز القداسة والسلام والعطاء والحب، حافظوا عليها ولا تؤذوها.
[email protected]