"جئت إليكم اليوم فردًا من أبناء الشعب اليهودي، ورئيسًا لدولة إسرائيل، كي أقف أمامكم، عائلات الضحايا والجرحى، ولأتألم معكم في هذه الذكرى".
بهذه الكلمات خاطب رئيس دولة إسرائيل، رؤڤين ريفلين، جموع من استقبلوه في قرية كفرقاسم يوم الأحد الماضي، وذلك في الذكرى الثامنة والخمسين لتلك الجريمة الرهيبة التي حصدت ثلاثة وأربعين؟ بريئًا من سكان القرية، وعددًا من الجرحى، بنيران ما يسمّى وحدة حرس الحدود.
بعض مستشاريه نصحوه بعدم الذهاب إلى كفرقاسم، لا سيّما في هذه الأيام، فشأن هذه الزيارة أن تضاعف انتقادات الفرق اليمينية اليهودية، التي نشطت في الآونة الأخيرة، وبرعت بإلصاق تهم الخيانة والتفريط بشخص رئيس الدولة، لما أبداه من مواقف عكست قسطًا من الاتزان والعقلانية الليبرالية تجاه المواطنين العرب.
ريفلين هو الرئيس الإسرائيلي الأول الذي يبادر بنفسه ويقرر أن يزور كفرقاسم في ذكرى وجعها وجرحها الذي ما زال مفتوحًا، ويعلن هناك وعلى الملأ أن ما كان في كفرقاسم هو "جريمة منكرة، يجب علينا أن ننظر إليها مباشرةً، بل لزامًا علينا أن نعلّم الأجيال القادمة عن هذا الفصل العصيب وعن خلاصاته".
كما كان متوقّعًا، فلقد تحوّلت الزيارة إلى حدث استغلته جهات يهودية عديدة ومثلها عربية. اليهود اتهموا رئيسهم بالرخاوة وبمداهنة أعداء الدولة من العرب، والعرب انقسموا بين مؤيد للزيّارة وبين منادين بضرورة مقاطعتها، فريفلين، وإن أنصف العرب مرارًا، كان وسيبقى، هكذا يقول المقاطعون، ليكوديًّا يمينيًا سليل جبوتينسكي، أحد آباء منظمة "الإيتسل" المعروفة بمواقفها وبأعمالها ضد العرب، وهو يعد واحدًا من أهم مريديه وأتباعه.
في بيروت يشارك هيثم خلايلة ومنال موسى، مواطنان جليليان، في مسابقة أراب أيدول، وكلّما تقدم أحدهما مرحلةً، هكذا يبدو، يواجه مزيدًا من الهجمات الشخصية، ويتعلّق معظمها بنشأتهما وبتفاصيل حياتهما كمواطنين يعيشان في إسرائيل، مع كل ما ينتجه هذا العيش من مفارقات وتناقضات وخصوصيات، بينما لا تُعاق مشاركة العرب الآخرين، حتى لو كان تاريخ بعضهم الشخصي مليئًا بالعيوب ومشتقاتها، التي لو عُلمت، فحتمًا ستمنعه من أن يكون "آيدولًا" عروبيًا وقدوة، على طريقه يجب أن تسير الأجيال.
في القدس نظّمت المكتبة الوطنية التابعة للجامعة العبرية، وبمناسبة تسعين عامًا على وجودها، أربع ندوات وإليها دعي للمشاركة مبدعون عرب وذلك، بعدما وجدت الدكتورة يوكليس، المبادرة ومنظمة هذه اللقاءات، ورفاقها في الجامعة، أنه "لايجوز تجاهل الظاهرة الآخذة بالاتساع والمتمثلة بظهور ممثلين ومبدعين وأعمال مسرحية وتلفزيونية تضع المجتمع العربي وجوانب حياته في البلاد في محور الجدل لدى الرأي العام". رتب المنظمون اللقاءات الأربعة، وكانت محاورها: الأدب العربي في البلاد، المسرح ، التلفزيون، والغناء. نشرت أسماء المدعوين الذين وافقوا على المشاركة، كل في مجال اختصاصه.
لم يمر الحدث كما تمنى المنظمون والمشاركون، فمع الإعلان عن البرنامج، انطلقت حملة دعا فيها البعض إلى مقاطعة مبادرة المكتبة الوطنية، لأنها، هكذا تذّرع الدعاة، تحتفظ بمجموعات كتب كانت قد سرقتها جيوش إسرائيل من بيوت الفلسطينيين في عام النكبة وبعده.
في باقة الغربية يهاجم معلم للغة العربية بعد أن قرر وفقًا لما لديه من حق وإمكانية تربوية، تعليم طلّابه إحدى الروايات المحلية. وهوجمت الرواية لأنها، هكذا ادّعى المهاجمون، تحتوي على ما يخدش الحياء العام، وتمس نصوصها بالذائقة السليمة.
جريدة "يديعوت أحرونوت" تنشر خبرًا يفيد أن أعداد السائحين الوافدين إلى مطار بن غوريون، من عشر دول إسلامية، لا تقيم حكوماتها علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل أخذ بالازدياد بشكل ملحوظ، حيث كان العام المنصرم عامًا مميزًا، إذ استقبلت فيه تل أبيب أكثر من خمسين ألف سائحًا جاؤوها من: ماليزيا، وأندونيسيا، والكويت، وقطر، والإمارات، والسعودية، والمغرب.
في بيروت والعالم العربي، يهاجم بعض المزايدين كاتبًا عربيًا شهيرًا لأن صحيفة "هآرتس" العبرية نشرت معه حوارًا هامًا، فيه تعرّض للعديد من القضايا ووضع مجمل مواقفه الواضحة الصريحة ونقاشه مع الرواية الصهيونية التي قام بتعريتها ومجابهتها كما يليق بالمحارب الذي يجيد أيضًا، استعمال عقله وسلاح الكلمة والرأي القويم؛ وفي نفس الوقت تحفظ صحف عربية كثيرة مكانًا خاصًا لنشر مقالات مترجمة لكتاب يهود صهاينة، وذلك لاطلاع القراء على ما يجري في إسرائيل.
لن يكون من الصعب علي أن أضيف عشرات من تلك الحالات التي تنبعث منها رائحة البلبلة والمزايدة وتبقي طعم العجز والضياع في الحلق. ولن أستعرض ما كانت حجة من هاجم وانتقد ومن نافح وأجاب وأدعى، فهذا لا يعنيني هنا، لأنني أرى أن الخطر بيننا كامن في انهيار الخيمة وضياع الشعب.
هذه الحالات وغيرها دليل على أننا نعيش واقعًا آخر مختلفًا عن ذلك الذي كان في زمن الحصاد والغبار، فاليوم، نحن العرب في هذه البلاد، نختبر بحالات تستوجب مواجهتنا لها باستقامة وجرأة ومسؤولية. فقد يريد البعض أن نبقى قطيعًا، ولكنني أرى أن الأخطر عند من يسعى لإبقائنا أرانب في "مواكيرها" تنتظر حفنات من ذئاب.
"جئتكم مادًا إليكم يدًا جريئة ولإيماني أن يدكم كذلك ممدودة إلي وإلى الجمهور اليهودي" هكذا خاطب ريفلين، ابن من ترجم القرآن للعبرية، أهل كفرقاسم، وقال نحن هنا على هذا التراب، وأنتم كذلك ولن يطرد منه أحد.
المفارقة أن بعض من نادى بمقاطعة ريفلين أراده رئيسًا للدولة، لأن حياتنا هنا علّمتنا أن نجيد القتال وأن نعتمد فيه، كي نبقى ونصمد، على فن الممكن، فإخوتنا لا يقبلونا عندهم عربًا إلا إذا جئناهم هاربين، ولذلك في بيروت لن يغني هيثم لأنه من إسرائيل، وفي تل ابيب لن تغني منال لأنها مخربة أو مطبّعة، فعليكم يا عرب ٤٨، بحمّاماتكم، وليغنِّ كل واحد منكم على (دشّاه)، وسيختار أولو أمركم وأصحاب قراراتكم، منكم "الدش آيدول" الفائز للعام ٢٠١٤.
[email protected]