نعم، وللأسف أقول لم تعد تغريني كثرة المحلات التجارية الراقية، المغرية بإضاءتها وتصميمها العصري، لا ولا ورودك التي تبعث برحيقها وعطرها؛ لأنكِ غدوت مشهدًا مقلقًا وجوًّا متوترًا غير آمن.
وجوه المارة في محيطك وشوارعك غريبة غير مألوفة، تبعثين اليأس بين أبناء بلدك الذين باتوا يَصْبُون إلى حياة أفضل، حياة كريمة في بيئة نقية من أجواء ومظاهر العنف والقتل كما عهدناك.
رمحي الموجه هذه المرة ربما لا يختلف في المعنى والجوهر عن باقي الرماح لكنّي أؤكد أنّني أوجهه هذا الأسبوع بقلم مرتعش وقلب مثقل بالقلق، ليت كان بمقدوري أن أوجهه حادا كالسيف أو كهطول أمطار كانون الثاني أيام زمان ليغذي نمو العقل البشري دون أن يدمر ما تبقى من جذوره. وا حسرتاه! وا أسفاه على ما حل بنا ووصلنا إليه من انحلال وتردٍّ في سلوكنا وأخلاقنا، حتّى سيطر العنف والفساد على حياتنا! كيف لا في ظلّ تفشّي ظاهرة الخاوة والاعتداء على حياة الغير وممتلكاتهم!
هل قلعتك الشامخة التي كانت تمثل صمودك وتاريخك الحافل لم يعد لها أي قيمة، فمحونا بسلوكيّاتنا المشينة تاريخها بأيدينا؟
ومن أجل التذكير، كم تطرقت في مقالاتي السابقة إلى تدهور أوضاعك وتغيير قوانين اللعبة وقواعدها ومجرى الحياة داخل أسوارك المخترقة، وأكّدت مرارا أنّ العنوان مختومٌ على الحائط وأنّ الأيام الآتية ستكون صعبة ولا تبشر خيرًا.
نعم، يدهشني ويقلقني قصصك وأحداثك وأسرتك التي تراهن على إسدال الستارة على هذه المشاهد التي تعيد نفسها وتبكينا جميعا والسؤال الذي يطرح نفسه إلى متى وأين العقلاء وأصحاب الضمائر والعقول المنفتحة، الاحرار عاشقو بلدهم وأرضهم؟ وهل غدت قلوبهم بلا رحمة، وعيونهم بلا نور، وآذانهم بلا سمع، فسيطر عليهم الإحباط والاستسلام لهذا الواقع.
رماح كغيرها تطالب بضرورة التحرك والعمل الفوري مع كافة الأطراف وعدم الاكتفاء بالتصريحات الجوفاء عندما تحل الحادثة وتحتل صدارة الصحف ومواقع التواصل وبعد أيام نطوي المشهد وكأنه لم يحدث شيء!
جاءت هذه المقدمة بعد حادثة اختفاء وقتل الشاب عادل خطيب 17 عامًا والعثور على جثته في ظروف غامضة مع آثار عنف فأثارت كالعادة ضجة وموجة من الاستياء والاستنكار وفقدان الأمن وزرع الرعب لدى الأمهات.
مَنْ منا لم يفكر كم عانيت يا عادل بتلك اللحظة العصيبة وأنت بالكاد تلتقط أنفاسك السريعة والأخيرة؟! وكم تسارعت وخفقت دقات قلبك؟! ألمنا كبير لما أصابك، والألم الذي يعتصر أفئدة والديك، أهلك، أصدقائك، ومحبّيك لا يوصف، لكن كلّنا أمل ورجاء أن تتيقّظ النفوس من سباتها علّها تسلك في الطريق السويّ، لنحفظ ما تبقى من أرواح أبناء وبنات بلدنا، اللهمّ آمين!
[email protected]