المال مقابل "السلام" - الارض مقابل "السلام" = ورشة ترامب ...البحرينية
تناولت القهوة و اطراف الحديث انا و جدي صباح هذا اليوم كالعادة الفلسطينية القديمة, و بادرني بالسؤال التالي:
-
شو الي رح يصير بالمنامة يا جدي الشهر القادم؟ هيك عم يحكوا بالاخبار؟؟
-
ورشة عمل اقتصادية يا جدي لتحسين اوضاع الفلسطينيين تموينيا.
-
احنا رح نحضر كفلسطينيين و مين المدعوين على هادا العرس الفلسطيني يا جدي؟
-
لا يا جدي...القيادة الفلسطينية لحد الان رافضة الحضور...والمدعوين و الي وافقوا يا جدي السعودية و الامارات و البحرين....!!!
-
يا جدي.. عُرس...بدون العريس و العروس ..كيف بدو يصير؟؟
-
هيك امريكا قررت يا جدي و للأسف البحرين وافقت!!
-
شوف يا ابني.. اذا العريس ما حضر و العروس غابت..معناتو ما في مولود جديد يحمل مورثات امريكية بعيون خضرا في المستقبل القريب!! و لا شكلوا بيشبه الامريكان..!
-
طبعا يا جدي..اذا ما في عريس معناتو ما في مولود جديد لا بعيون خضرا و لا زرقا..
-
شوف يا ابني.. العريس ما بدو يحضر كتير منيح...بس لازم يدير بالو على حالو...يحصن نفسو و يقوي نفسو... لازم يتصالح مع اهلو و عيلتو.. مشان ما يغدروا فيو المرة الجاي..!!!
إنّ أمريكا وإسرائيل تحاولان، من خلال ورشة "الانعاش الاقتصادي" في المنامة ، تمرير صفقة القرن من بوّابة الإصلاحات الاقتصادية الانعاشية أولا، على أن يعقبه الشقّ السياسي لاحقاً.
وتعتبر ورشة العمل "الاقتصادية" في المنامة استكمالاً لمشروع ترامب الذي بدأه بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقطع المساعدات عن اللاجئين الفلسطينيين, و تجفيف المنابع المالية للاونروا, والاعلان الامريكي" بسيادة اسرائيل على الجولان السوري",..الخ.
ان خطورة ما تُسمّى "الورشة الاقتصادية" تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار"،لا يعدو عن كونه منصّة لإعلان الانخراط الرسمي الخليجي العربي بغالبيته في تبني "صفقة ترامب"، وتبني رؤية نتنياهو المدعومة أمريكياً لما يُسمى "السلام الاقتصادي"، كحلٍ للصراع العربي والفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي.
إن مؤتمر المنامة الذي يهدف إلى دمج كيان الاحتلال ضمن مكونات المنطقة العربية وفرضه واقعاَ مقبولاً في الشرق الأوسط الجديد ، وتصفيه القضيةالفلسطينية و تمرير مشاريع استعمارية في الأقطار العربية ،ما يحتم على كافة القوى الوطنية الفلسطينية و العربية التصدي لهذا المؤتمر بكافة الأشكال التي تحول دون تمرير صفقة القرن وأدواتهاو مخططاتها.
بصراحة وأكثر وضوحاً لم يعد الأمر خافياً أن سبب رفض المستوى السياسي الفلسطيني الرسمي – و هو موقف وطني يسجل له- لا يتعدى كونه فشل في إدارة الدبلوماسية الفلسطينية و سياساتها اقليميا و دوليا, وعجزها عن تقديم رؤية سياسية واضحة المعالم لإدارة الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي من خلال حراك وطني ميداني و سياسي دبلوماسي يضمن استمرارية القضية وعناوينها الرئيسية على طاولة المحافل الدولية ومحل اهتمامها.
حالة التخبط في إدارة الموقف السياسي الرسمي في ظل انقسام فلسطيني – فلسطيني و غياب برنامج عمل وطني توافقي في هذه المرحلة جعل الارتباك وعدم وضوح الرؤية في إدارة المواقف الوطنية واضحاً على كافة الصعد والمستويات، و لا يكفي ان نعلن اعلاميا فقط اننا ضد مؤتمر المنامة و ورشتها الاقتصادية, في الوقت نفسه, نلتزم بالتنسيق الأمني مع الاحتلال من جهة!!، وأبواب التنسيق والتشاور مع الإدارة الأمريكية مفتوحة!!، ومكبلين بملاحق و التزامات اتفاق باريس الاقتصادي!!.
ان الرؤى السياسية الواضحة و الوطنية التوافقية و المقاومة لكل مخططات التصفية للقضية الفلسطينية بشقيها( الاقتصادي و السياسي), لا بد لها ان تكون بعيدة عن المزاجية السياسية المرحلية المتوافقة احيانا مع صلابة الرأي العام الفلسطيني و التماشي معه, و العمل على تخديره من جهة , والتحالفات المحورية الإقليمية ذات الأجندات الخاصة والتي لا تصب في مصلحة القضية الفلسطينية من جهة اخرى.
مما لا شك فيه أن مؤتمر المنامة يقوم على رؤية اقتصادية بحتة لمعالجة الشأن الفلسطيني العام برؤية أمريكية تمثل غطاءاً سياسيا لسياسات الاحتلال الاستيطانية و ضمها للأراضي الفلسطينية المحتلة, و تأمين غطاء عربي(خليجي) و إقليمي للمخطط الترامبي يتوافق مع موازين القوى السياسية العالمية.
ان حالة الفراغ السياسي الذي تشهده الساحة الفلسطينية في ظل انقسام سياسي للنظام الرسمي الفلسطيني وعدم المقدرة على انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية من جهة ، وفي ظل غياب الموقف العربي الموحد تجاه معالجة المحاور الرئيسية المفصلية لقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أسس تعتمد في موقفها على المواثيق الدولية و القرارات الاممية ذات الصلة, يجعل الأمر أكثر صعوبة وأشد تعقيداً على الواقع الفلسطيني، في اتخاذ خطوات أولية على طريق بناء موقف من جديد يحدد و يكرس الرؤية الوطنية الفلسطينية على أساس الحل الشامل والعادل لمرتكزات القضية الفلسطينية.
لا سلام دون تحقيق العدالة الوطنية والإنسانية للشعب الفلسطيني التي تقوم على خلاصه من الاحتلال و حقه في اقامة دولته المستقلة على ارضه و ضمان حق العودة لارضه و ممتلكاته و التي هجر منها قسرا, لان السلام السياسي العادل هو الذي يقود الى السلام و الازدهار الاقتصادي, و ليس العكس.
ان الموقف الرسمي الفلسطيني المعلن من ورشة المنامة الاقتصادية,و بدون ادوات الضغط و المقاومة في الميدان و في مقدمتها دعم و تعميم اشكال المقاومات الشعبية على امتداد جغرافية تواجد شعبنا, و التحرر من التزامات اوسلو الامنية و الاقتصادية, لن يكون له معنى وطني وعامل مؤثر في اعادة رسم الخارطة الوطنية السياسية و المقاومة لكل مشاريع التصفية للمخطط الاسرائيلي-الامريكي في المنطقة
وعامل معطل لنتائج ورشة المنامة و تطبيقات صفقة القرن.
ان قرار عقد "ورشة المنامة الاقتصادية"، دون الاهتمام بالموقف الرسمي الفلسطيني، و هو "العريس الغائب" عن "حفلة زفافه", يمثل الرسالة الأبرز للقيادة الفلسطينية ان المسار القادم لتنفيذ البعد الإقليمي للخطة الأمريكية لا تشترط المشاركة الرسمية الفلسطينية و"العريس الفلسطيني"، وهي بحالة الموت السريري و الضياع سياسيا و مجردة من كل ادوات الضغط و القوة في الميدان و المواجهة غلى الارض من خلال برنامج وطني مقاوم يلتف حوله كل الشعب الفلسطيني و قواه الوطنية و السياسية.
[email protected]