حاول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سابقًا مرتين شن الحرب على إيران، فأوقفه في المرة الأولى (2010-2012) الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس، الذي عَلِمَ بالخطة من جابي أشكنازي، رئيس أركان جيش الاحتلال، وأوقفه في المرة الثانية (2015) الرئيس الأميركي باراك أوباما، ويأتي التزام نتنياهو بذلك لإدراكه أن إسرائيل لا يمكن أن تحارب إيران وحدها وتخرج منتصرة.
إسرائيل بحاجة إلى الولايات المتحدة لكي تخوض حربًا مع إيران، وذلك للأسباب الآتية:
أولًا، لأنها بحاجة إلى الصواريخ الأميركية القادرة على اختراق باطن الأرض لقصف الصواريخ والمنشآت العسكرية الإيرانية.
وثانيًا، لأن الطائرات الإسرائيلية بحاجة إلى جسر جوي من الطائرات الأميركية لتزويدها بالوقود في الجو، بسبب المسافات البعيدة، وهذا ما لا يملكه سلاح الجو الإسرائيلي.
وثالثًا، حاجة إسرائيل إلى دعم أميركي لتوجيه ضربة ثانية في حالة كان الرد الإيراني على الضربة الأولى قويًا وصعبًا.
ورابعًا، لأن هناك حلفاء لإيران سيخوضون الحرب معها ضد إسرائيل، وخصوصًا حزب الله اللبناني الذي يمثل تحديًا كبيرًا لإسرائيل.
لهذه الأسباب المترافقة مع توقيع الاتفاق النووي الإيراني في أواخر عهد الرئيس باراك أوباما، وعدم حماس قادة الجيش الإسرائيلي لتوجيه إسرائيل منفردة ضربة لإيران لعدم ضمان نتائجها، ومنع امتدادها إلى حرب إقليمية، وربما شبه عالمية؛ جمّد نتنياهو مخططاته للحرب ضد إيران، إلى أن أعتقد بأنه وجد ضالته بمجيء دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية، خصوصًا بعد تعيينه جون بولتون مستشارًا للأمن القومي، المعروف بأنه من دعاة الحرب ضد إيران.
على الأغلب أن نتنياهو أصابته خيبة الأمل وهو يرى ترامب يعلن لا حرب، وأنه سيلتزم بوعده الانتخابي بعدم شن حروب أخرى، رغم حاجته إلى التلويح بها بين فترة وأخرى لتحقيق أغراضه بتعديل الاتفاق النووي الإيراني، والحد من نفوذ طهران.
ولتفسير السياسة الأميركية نرى أن المطلوب أميركيًّا تغيير سياسة النظام الإيراني وليس الإطاحة به، وهذا يأمل ترامب حدوثه من خلال الحصار الاقتصادي وفرض العقوبات، كما أن التلويح بالحرب ضروري من أجل ابتزاز الأموال من الدول الخليجية، خصوصًا السعودية.
وهذا يتأكد من خلال أن الحرب لم تقع، رغم أن الأجواء باتت مهيئة لبدء الحرب، بعد قيام طائرات بلا طيار بمهاجمة مواقع نفطية في السعودية، واستهداف ناقلات نفط قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي، وتداول معلومات مختلفة (مصدرها إسرائيل) عن نوايا حلفاء إيران بضرب القوات الأميركية وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وبالغ ترامب في تبريد الأجواء الساخنة، لدرجة إبداء الاستعداد للتفاوض مع إيران، طالبًا من سويسرا إرسال الرقم السري المباشر للرئيس الإيراني، وتأكيده بأنه صاحب القرار ملمحًا لاعتراضه على دعوات بولتون الحربية.
سيؤثر اندلاع الحرب سلبًا على "صفقة ترامب"، المخطط الأميركي الأساسي في المنطقة، ويرفع أسعار النفط، ما يصب في صالح روسيا، ويضر بمصالح حلفاء أميركا، أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية.
سؤال المليون دولار هو: هل ستقوم الحرب، خصوصًا أن التوتر ما زال قائمًا رغم انخفاضه بعد إعلان ترامب المشار إليه وتصريح المرشد الإيراني خامنئي بأن لا حرب ولا تفاوض مع الأميركيين، مع وجود عدد من المؤشرات عن الاستعداد الإيراني لاحتمال اندلاع الحرب، بمبادرة من إيران إذا استمر الحصار وجرى تشديده، أو من أميركا وإسرائيل؟
بما أن حلفاء إيران (الحوثيين) هم من أرسلوا الطائرات، وأنّ المتهم الأول بتنفيذ عمليات الفجيرة إيران أو حلفاؤها، فهذا يعني أنها تريد إرسال رسائل حرصت على ألا تؤدي إلى أضرار كبيرة ومن دون وقوع ضحايا، وأنها لا تريد أن تذهب إلى حرب إلا إذا كانت مضطرة لها.
هناك دلائل عدة تشير إلى أن إيران ليست معنية باندلاع الحرب، أبرزها أنها لم ترد على الضربات الإسرائيلية المتكررة، التي تستهدف الوجود الإيراني في سوريا كما تعلن إسرائيل، إلا أنها لن تقف مكتوفة اليدين، فهي لن تسمح للنفط أن ينتقل من مضيق هرمز وباب المندب، إن توقف نفطها عن التصدير، وذلك إذا واصلت الإدارة الأميركية الحصار الاقتصادي ومضت قدمًا في تشديده كما أعلنت.
من جهة أخرى، إذا لم تقدم إسرائيل أو غيرها من الأطراف المتحمسة للحرب على اعتداء يستدعي ردًا إيرانيًا، بما يجعل الوضع يتدحرج إلى حرب، فإنّ إيران لن تكون المسبب للحرب إلا في حالة عدم قدرتها على تسويق نفطها وكسر الحصار، وبمقدورها أن تفعل ذلك لأن هناك عددًا من الدول لن تلتزم بالعقوبات الأميركية، وهذا يضاف إلى عامل مهم وهو عدم قدرة الولايات المتحدة على إقامة تحالف عالمي أو حتى غربي ضد إيران، لأن أوروبا والصين وروسيا والهند وتركيا تعارض سحب الموافقة الأميركية على الاتفاق النووي والحصار الأميركي المفروض على إيران.
ما يقلل احتمالية الحرب أن السياسة الإيرانية تتميز بالحكمة والذكاء، لدرجة تأتي خطوات طهران محسوبة وليست انفعالية، وتفكر مليًا قبل الإقدام على أي تصرف، وتحرص على عدم إعطاء الذريعة لدعاة الحرب.
وما يجعل الحرب ليست الاحتمال الأول، أن إيران مستعدة لها عسكريًا، ما يجعل السيناريو العراقي ليس مرجحًا (احتلال سريع بلا كلفة)، ومن مظاهر الاستعداد الإيراني أن المنشآت النووية والعسكرية منتشرة في آلاف المواقع تحت الأرض، ما يجعل استحالة رصدها كلها وتدميرها بضربة مفاجئة واحدة، بحيث لا تتمكن إيران من الرد، فضلًا عن وجود أذرع لإيران في مواقع عديدة تزيد من إمكاناتها للرد على الضربة الأولى، ولعل ما جرى من قصف مواقع نفطية في السعودية والفجيرة دليل على ذلك، فضلًا عما تناولته الأنباء عن استعدادات لضرب الجيش الأميركي في العراق من قبل قوات الحشد الشعبي التي تضم 150 ألفَ مقاتل مسلحين بمختلف أنواع الأسلحة.
لقد انتهت مرحلة الحروب الخاطفة التي تبدأ وتنتهي بسرعة وتحقق أهدافها من دون أن تصل إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية أو القواعد والأهداف الأميركية المنتشرة بكثرة في المنطقة وجوارها.
حتى لو تمكنت أميركا وإسرائيل وحلفاؤهما في المنطقة من توجيه ضربة مباغتة لإيران وحدها أو مع حلفائها، فإن الحرب ستكون مكلفة لهم أيضًا، ولن تنتهي بعد وقف الأعمال الحربية النظامية، بل ستبدأ حربٌ أخرى طويلة تمامًا مثلما حصل في العراق، حيث احتلت القوات الأميركية والحليفة العراق من دون خسائر تذكر، لتبدأ بعدها مقاومة شرسة للقوات الأميركية أدت إلى وقوع خسائر فادحة بالأميركيين، تضمنت آلاف القتلى وأضعافهم من الجرحى والمعاقين، إلى جانب تريليونات الدولارات، التي لا يمكن تعويضها، والأهم أن العراق لم يعد تحت الاحتلال ولا حتى النفوذ والسيطرة الأميركية، بل إنّ إيران تنافس أميركا إن لم تكن صاحبة نفوذ أكبر فيه.
تأسيسًا على ما سبق، هناك سباق بين الحرب والسلام، لا تزال الكفة راجحة للذهاب للتهدئة التي تمهد لبدء مفاوضات جديدة، من دون أن يستبعد ذلك مناوشات وضربات عسكرية هنا وهناك تسخن الأجواء، ولكنها لا تصل إلى الحرب التي لا يستطيع أحد أن يتحكم بنتائجها.
هل يدرك العرب المراهنون على خوض أميركا حربًا مع إيران "كرمال عيونهم" الآن بعد الذي جرى بأن هذا وهم خالص، وأن عليهم العمل على بلورة مشروع عربي وقيادة عربية واحدة تحفظ الحقوق والمصالح العربية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية - التي يجرى إعداد خطة أميركية إسرائيلية لتصفيتها تحت مسمى "صفقة ترامب" في ظل تغيير الأولويات العربية وتحت غطاء الحرب ضد إيران - والشروع في التفاوض مع إيران لحل خلافاتهم معها مثلما يفعل الجيران، فإيران رغم أطماعها وأخطائها ليست عدوةً للعرب، وتعاظم دورها وكذلك تركيا، يساعد على إفشال المخطط الإسرائيلي الذي يهدف إلى جعل إسرائيل الدولة المركزية المهيمنة على المنطقة وحدها، ولا يمكن استبدالها بإسرائيل التي تعتبر العدو والخطر الرئيسي الذي يهدد الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، بل العالم كله.
تخيّلوا لو أن إسرائيل حققت هدفها بالهيمنة على المنطقة من دون منافسين، ماذا سيكون مصير القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية.
[email protected]