ما زالتْ ترقصُ حولَ دائرةِ الموتِ، غيرَ مكترثةٍ بألمِها وضيقِها، وبينَ وهلةٍ ووهلةٍ ترنّمُ بعضَ التّرانيمِ الحزينةِ الّتي كتبَتْها بِجِراحِها وبدماءِ زوجِها الشّهيدِ.. هي تكتبُ وتُسجّلُ دونَ هوادةٍ أو راحةٍ مذكّراتِها، ويومًا ما ستخرجُ عن صمتها ويأسها، وستحطّمُ الحزنَ الّذي بداخلها والّذي يُقيّدُها.
هي طفلةٌ.. لكنّها، أيضًا، أمٌّ ثكلى لَم تتجاوزِ السّادسةَ عشرة، إلاّ أنّها تكتبُ وتردّدُ أن لا ربيعَ في حياتِها.
قُتلَ زوجُها وطفلُها، أو بالأحرى استشهدا؛ قتلَهما جنديٌّ حينَ فرّغَ الرّصاصَ في صدرَيْهِما بتأييدٍ كاملٍ مِن كافّةِ جنودِ العارِ.
ألَم يكنْ للجنودِ شركاءُ؟
آهٍ.. آهٍ.. أخ يا أخي!
في بيتِنا عملاءُ وأنذالٌ، وإلاّ فكيفَ تفسّرونَ وصولَهم إلى بيتهِ؟
كيفَ وصلوا للنّفقِ ورشَوْهُ بنشوةٍ رغمَ أنّهُ لَم يُقاوم؟
كيفَ يقاومُ وطفلُنا ابنُ الشّهرِ بينَ ذراعيهِ؟
هل سِلْفي عميلٌ للموسادِ؟ نعم. نعم هو كذلك، وإلاّ فكيفَ وصلوا إليهِ؟ وترى هل قبضَ الثّمن؟
ولكن لماذا وشى؟ هل يُعقلُ أن يشي الأخُ بأخيهِ؟
أيكونُ الفقرُ والحصارُ السّبب؟ لكن "ليسَ بالخبزِ وحدَهُ يَحيا الإنسانُ".
السّببُ.. السّببُ.. أنّهُ على علاقةٍ بالجنديّةِ الإسرائيليّةِ "شيري".
لكنّهم لا يُعطونَ الشّرفاءَ تصريحًا لدخولِ "إسرائيل" والعملَ فيها.
حبُّهُ لـ"شيري" أفقدَهُ الصّوابَ والتّفكيرَ؛ إنّهُ يُريدُ الإقامةَ معها بأيِّ ثَمنٍ!
هو لا يَرُدُّ لها طلبًا؛ أرادوا أخاهُ، وسلّمهم إيّاهُ، بعدَ أن ضمِنَ أنّهُ سينتقلُ للإقامةِ والاستيطانِ في أحضانِ "شيري" في تل أبيب.
[email protected]