جمهورنا غضبان وزعلان من الأحزاب العربية، قسم زعلان لأن القائمة المشتركة فضت شراكتها قبل الأوان، وقسم غضبان على النواب العرب بحجة أنهم "لم يعملوا له شيئا"، وقسم يستهجن من ائتلاف الجبهة المبدئية مع حركة الطيبي الانتهازية، وقسم لا يستوعب ائتلاف القائمة العربية "الإسلامية" النزعة والتجمع "القومي" الهوى. ولهذا فان أولئك يهددون بمعاقبة الأحزاب العربية، وامعانا في جلد الذات يعلنون أنهم سيوجهون أصواتهم نحو الأحزاب الصهيونية وحتى اليمينية منها.. معقول يا ناس..؟
هل نفهم من ذلك أن أحزاب الليكود والعمل و"أزرق – أبيض" وكحلون وليبرمان وبينيت ومن لف لفهم، يعملون ويخدمون الجمهور العربي ويدافعون عن حقوقه كاملة، ولهذا أقروا قانون القومية من شدة حبهم للعرب، وعملوا على إقرار ميزانيات مجحفة للمجتمع العربي ومساواته بالمجتمع اليهودي، هل رفعوا من مستوى العرب علميا واقتصاديا ووافقوا على إقامة جامعة عربية بدل الجامعات والكليات على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووضعوا الخرائط الهيكلية لمدننا وقرانا وضمنوا السكن الكريم لأجيالنا الشابة؟ وهل طوروا المناطق الصناعية العربية وعززوا التجارة والزراعة في البلدات العربية، واعترفوا بالقرى النائية في النقب الجريح؟ اذا كانت الأحزاب الصهيونية حققت لنا ذلك واعترض عليها النواب العرب، فوجهوا أصواتكم كلها نحو الأحزاب الصهيونية ولا لوم عليكم.
أما كتابنا الكثر وكأنهم تلقفوا هدية من السماء، فعادوا الى معسكراتهم القديمة وتحصنوا داخلها، وأطلقوا حممهم التحليلية وقذائفهم الوعظية وراجماتهم التوجيهية، وكأنهم ملائكة في عالم يعج بالشياطين، وأطباء في مجتمع يفيض بالمرضى، ومصلحين في بيئة تنزف بالمعوجين والمارقين الخارجين عن أصول اللياقة والآداب. لكنهم لا يختلفون عن المتعصبين خلف أحزابهم، والمتشددين في آرائهم والمتصلبين في أفكارهم، والحاقدين على كل ما لا يوافق أهواءهم. فمن يعادي حزبا ما يمسحه عن الأرض، ومن يستلطف مرشحا ما يجعله من أنبياء الكون، ومن ينوي محاسبة فريق ما يستغل الفرصة وينقض على خصمه في ساعة ضعف وحرج، ومن كانت له طموحات شخصية وأطماع ذاتية لم ينجح في تحقيقها، يظن أن ساعة الانتقام حلت وهو لها بالمرصاد.
وعن حروب القبائل الجاهلية المتجددة، بين معسكر المقاطعين للانتخابات والداعين للتصويت فحدث ولا حرج. لم تعد الحرب مع بعض لدحر الأحزاب الصهيونية وإيقاف تسللها الى شوارعنا ومؤسساتنا وبيوتنا، بل أضحت حربا على بعض تخوينا وتشكيكا وتقريعا وتمزيقا. كل فريق يدعي أنه يملك الحقيقة والبوصلة والرؤية الثاقبة، ويرمي الفريق الآخر بالاتهامات مثل الجمود العقائدي والتفريط بالمبادىء والتنازل عن الأرض. وينتقل الحال من باب النقاش والجدال والحوار وعرض الحجج، الى حملات دعائية وغزوات فكرية مدفوعة وممولة من مصادر خارجية.. معقول يا ناس..؟
فهل تلك الحالة التي وصلنا اليها معقولة ومنطقية، أم هي ضرب من العبث والخلل التي تنخر في مجتمعنا، وأفسدته من الداخل وأفقدته المناعة الذاتية؟ واذا كان هذا حالنا قبل الانتخابات فماذا سيكون عليه بعد التاسع من نيسان؟!
[email protected]