تحقّقت المشاركة السياسية الفعليّة عالمياً بعد الثورة الفرنسية الشهيرة، التي مكّنت مختلف أطياف المجتمع من المشاركة في صناعة القرار، إذا عُلم أن أحد أهداف المشاركة السياسية للشعب أو من ينوب عنه من أحزاب وقوائم، ممّن أنهت الإنفراد بالسلطة والإستبداد بالحكم، هو التأثير على صنّاع القرار لحملهم على تحقيق مصالح الناس وتحسين أوضاعهم والحد من الظلم الاجتماعي والسياسي والمعيشي الواقع عليهم.
إن المشاركة السياسية الموصوفة أعلاه تتم عادة في الوضع الطبيعي للدول لا في أوضاع استثنائية كما هو حال فلسطينيي الداخل الذين صودرت ارادتهم وقرارهم، وسُلبت أراضيهم وحوربوا في لقمة عيشهم، وتم التنكر لوجودهم الأصلي على هذه الأرض.
لقد أصرّت السلطات الإسرائيلية على التمادي في غيّها وتهميشها للمجتمع العربي في الداخل، بخاصة بعد هيمنة اليمين المتطرّف على المشهد السياسي خلال العقد الأخير تقريبا، ممّا أضرّ كثيراً بفلسطينيي الداخل وشعبنا الفلسطيني عامة على جميع المستويات، حيث ألغت السلطة مصطلح الديمقراطية من أجندتها السياسية، وأبت إلاّ أن تكشف عن معالم سياستها العنصرية المعادية لكل ما هو فلسطيني وعربي، بإصدارها لقانون القومية الذي جعلها دولة فصل عنصري "أبرتهايد".
إنّ الكيان الذي يصدر القانون تلو الآخر ضد الوجود العربي ويشرّع هدم المنازل، بل وقرى عربية بأكملها ويمعن في الملاحقة السياسية لرموز العمل الوطني والديني، ويكمّم الافواه، ويخرج أجساما فاعلة وناشطة إجتماعياً وخدماتياً عن القانون، غير معني أبداً بمشاركة سياسيّة حقيقية للعرب، انّما مشاركة سياسية لذر الرماد في العيون أولاً، وإقامة الحجّة على كل من تسوّل له نفسه توجيه أصابع الاتهام للسلطة بتهميش العرب أو إقصائهم عن المشهد العام، لا بل تشجّع مشاركة فلسطينيي الداخل في العملية السياسية بهدف إقناع العالم الحر بديمقراطيتها ومبدأ المساواة بين الجميع سياسياً، ومنح الشرعية لجرائم هذه المؤسسة في حق شعبنا الفلسطيني.
انّ السؤال المطروح في هذا السياق هو: ما جدوى مشاركة فلسطينيي الداخل في العملية السياسية، وخوض
الإنتخابات للكنيست الإسرائيلي في ظل ممارسات وسياسات السلطات الإسرائيلية الظالمة، وتماديها في غيّها ومشاريعها الرامية الى اقتلاع الفلسطينيين من وطنهم؟ ألا يرى البعض أنّ المشاركة نفسها قد تفسّر بأنها منح شرعية للآخر؟!
[email protected]