صديقي سيد، وصديق كل عاقل متبق في هذا المكان المجنون،تركتنا، وها فقدنا واحدا من الحلقه التي كانت صغيرة أصلا.
ربما أشعربالخيانة، كما شعر بعض المثقفون الفلسطينيون عندما ترك محمود درويش وطنه الحبيب وقرر البقاء في المنفى. ربما أشعر إهانة فكرية كما شعر جيل والدي وسميح القاسم، وتوفيق زياد، الذين اعتقدوا أنه كان على درويش أن يبقى ويكافح، وان يصر ويواظب ويحدث التغيير – ان يبقى ويعاني مثل الآخرين. وأنا الآن، بقيت هنا، مع دائرة ناقصه من المعتدلين، و على الرغم من كل الفرص التي سنحت للذهاب اخترت البقاء والاستمرار في المحاولة، مع اني مثلك اشعر في بعض الأحيان أن المحاولات للحياة المشتركة باءت يالفشل (ربما ما زلت أخاف الاعتراف بهذا)، فأنا أعرف بالتأكيد، أن درويش ما كان اصبح الدرويش الذي أصبح، لو بقي في هذا البلد الصغير ناكر الجميل، بين مطرقة وسدان لشعبان قاسيان، يحتضناك ثم يخنقاك ثم يبصقانك خارجهم.
أتعرف ماذا؟ اذهب مع السلامه، يا عزيزي. دوام التوفيق والنجاح. من الواضح لي أنك سوف تنجح, ان كان بالعربية او العبرية او الإنجليزية او العالميه. هناك أيضا ستكون رائدا في مجالك. ونحن هنا, قد نحبك أكثرمن بعيد. فنحن نحب من يأتينا برائحة المطارات والديوتي-فري. إن كان هذا من عقدة النقص أو لأنه حقا لا نبي لقومه.
أغفر لي إذا كنت أحسدك قليلا، لأنني أيضا أود أن أنسى أسماء المعلقين في نشرات الأخبار وأريد شرب الشاي بدون السم في الصباح، ولكني مع هذا أشجعك بكل ما عندي من قوة: إذهب وأصبح أحسن سيد قشوع بإمكانك أن تكون، من دون تقييدات المجتمع، الدين، الجنسية، السياسة، ودون الحاجة لإثبات أي شيء لأي شخص. من يدري، ربماسنلتقي مرة أخرى في مكان ما في العالم، في منتدى مضحك أو حزين، موضوعه تعقيد الهوية، أو الابداع في ظل الصراع. أو ربما لا، لأنك قد لا تشعر بأي تعقيد بالهوية بعد الآن ولن تبدع في ظل صراع ...أخخخخخ, أغار منك! ولكن أشجعك.
أشعر ايضا بالغضب، ليس عليك، وانما على هذا المكان الذي يعرف كيف يبصق اهل الخير من داخله، هؤلاء الذين يشكلون الجسور. وطبعا سيذهب هؤلاء, فعمل الجسر صعب، والثقل منهك، ولا توجد كلمة شكر. على العكس من ذلك، فالجسر هو أول شيء يهاجم خلال الحرب. وماذا يريد الجسر في آخر المطاف؟ أن يستطيع الناس زيارة الجانب الآخر، أن يمكنهم التنزه على طول الضفة المقابلة والتعرف على وجهة النظر من هناك. ربما يستحق هذا المكان أن يتركه كل الجسور, فربما عندها سيكون واضحا ان دونهم ليست هناك امكانيه للمرور من على الهوه.
الله وحده يعلم، أني أحيانا أجد نفسي في حالات غريبة عجيبه. مؤخرا، ساهمت في حملة انترنيتيه كاستجابة للتحريض والكراهيه، وهي حملة تحاول موازنة الصورة القاتمة مع كلمات تضامن واعتدال، جاءت الحملة كصرخة احتجاج ضد العنف الموجه الى جميع أولئك الذين ما زالوا يؤمنون في طريق التعايش – والذي جعلني وأمثالي مرة أخرى كيس لكم من كلا اليمين واليسار , هؤلاء يسمونني طابور خامس وأعداء إسرائيل، وهؤلاء يتهمونني بالاسرله ويتوجونني ملكة التطبيع. كيف يحدث أنه عندما أعبر عن تضامن انساني مع المواطنين من كلا الجانبين، يغضب المواطنون من كلا الجانبين؟ هناك مطالبة أن أصرح عن انتمائي لجانب واحد فقط. والحقيقة هي، أني حقا أنتمي لجانب واحد: جانب المعتدلين (من كلا الشعبين). أخذت هذا الخيار منذ فترة طويلة، وأتشبث به بكامل قواي
(يقلقني،كم من الوقت ستبقى لدي قوه).
بطبيعة الحال، تم استغلال حملتي لجميع أنواع المصالح. أرسل الي مقال نشر في موقع انترنيتي معاضد لاسرائيل كتب فيه عني أني “المغنيه الفلسطينيه المعاضده لاسرائيل”، ومن بين الاسطر أتت رسالتهم النافيه للكراهية الموجهه ضد الفلسطينيينفي اسرائيل.. بالطبع لم تذكر كلمة واحدة عن رسائل الكراهية التي اتتني من الجمهور الاسرائيلي في أعقاب الحملة. فطبعا, لا يريدون تزويد الجمهور الفرنسي بحجج اخرى لكره اسرائيل.
ولكن بيننا، فإن ما يضحك في هذه الحالات هو أن في إسرائيل، الفاشيون الذين يريدون إسكات "أعداء إسرائيل"،من جدعون ليفي الى سيد قشوع وميرا عوض بحجة أنهم "يبصقون الى البئر التي يشربون منها" و "ينشرون الغسيل القذر"، وبالتالي يدمرون صورة إسرائيل -لا يعرفون حتى، انهم هم أنفسهم يدمرون صورتها، والسخف، انه ليس "الظل"(مغني) ولا نفتالي بينيت، وإنما "أعداء إسرائيل" هم الذين تستخدمهم الدعاية الإسرائيلية في الخارج لاظهار صورة جميلة لما يحدث هنا. ونعم، هذا يزعجني، لا أريد أن أكون جزءا من الدعايه لهذا المكان. هناك تعبير باللغه العربية يقول "وضع النقاط على الحروف" أي أن يكون الكلام واضحا. رغم عدم وجود نقط في الحروف العبرية، ولكن هناك حركات، وأحب أن نضعها على الحروف، حتى يكون كلامي واضحا: ليست لدي كراهية لهذا المكان! ولكن لدي صعوبة كبيرة في هذا المكان. ونعم، هناك فرق بين الاثنين.
سيد، نحن فخورون بك، مثلنا جيدا! أوه، ماذا أقول؟ أعذرني ان التصق بي طابع الحديث هذا ...انس موضوع التمثيل، فهو عبء لا لزوم له، عش حياتك، رب أولادك، واكتب! اهم شئ أن تكتب.
[email protected]