في العقد الأخير ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي بقوة، وقد أخذت مع مرّ الأيّام منحىً ثوريّاً جديداً وشكلا ً أكثر تأثيراً وأكبر نُفوذاً، بعد انتشارها الضخم -الآخذ بالازدياد-، وقد ظَهَرَ تَأثيرُ مواقع التواصل الاجتماعي -وفي مقدمتها ال"فيسبوك"- في شتى المجالات؛ كالسياسة والاقتصاد والفن والثقافة، وبطبيعة الحال أيضاً الاجتماع، حتى أنّ بعض المُراقبين والمُحللين قد بالغوا في إعطاء هذه المواقع تقديراتٍ لقوة تأثيرها في العالم العربي خاصةً، إثر ثورات "الربيع العربي"، في أنّها كانت العاملُ الرئيسُ في تحريك هذا الثورات وقيادَتِهَا...
وبِغَض النظر عن صحة هذا التحليل أو عدمه -إذ لسنا بهذا الصدد-، الّا أنّ هذه المواقع فعلا ً قد أثبتت مدى تأثيرها وانعكاسها في حياة النّاس، مما يجعلُ عُقلاء النّاس يُفكِرُون بجديّة في كيفيّة التعامل واستثمار هذه المواقع وجلب نفعها ودفع ضررها بأقصى المُستطاع.
مواقع التواصل ملآى بالأحداث والأخبار والتصريحات والنكات والنَشرات والمقالات والتحليلات...والتُرّهات، ما أن تنزلق يدُ المرء منّا على شاشة هاتفه النقّال حتى يعلق في دوامةٍ لا نهائيّة، فلا يخرجُ منها إلّا بعد حين، وهذا أمرٌ باتَ واقعاً لا يُمكِنُ إنكاره ولا التغاضي عنه، لكنّ الأهم من ذلك كله، ما المحتوى الّذي تعاملنا معه طيلة هذه الأوقات وكيف تعاملنا معه...
أمّا المُحتوى؛ فمنه المُثري والمُفيد الّذي يرفع من ثقافة المرء ويُضيفُ له قيمةً ثقافيّةً ومعرفيّةً تراكميّة، تكون له ثراءً فكريّاً وتوسعةَ إطّلاع، لكن، ونُشدد على اللكن هنا، أنّ هذه المواقع حتماً لا تُشكّل بديلا ً عن الكتاب وكسب العلم والثقافة، هي إضافة أو إثراء لكن ليست مصدراً لنهل العلم والمعرفة.
وهناك من المحتوى ما يكون عبارةً عن السخافات والنكات فأمّا هذه فلا بُدّ لشعبٍ يريدُ كسر القيد الّذي يلفُ معصمه وينهض بالعلم والوعيّ والثقافة، لا بدّ لمثل هكذا شعب أن يربأ بنفسه عن مثل هذه المحتويات، إلّا ما ندر منها ترفيهاً وليس ديدناً وعادةً ونهجاً.
وأمّا بالنسبة لكيفيّة التعامل مع هذه المحتويات وتبادلها، فلا بُدّ أن نُشدّد إن أردنا التشديد هنا، على الإحترام المتبادل خلال تبادل الأفكار والآراء المختلفة من خلال هذه المواقع، إذ بات -للأسف- مُنتشراً بكثرة انعدام الإحترام وتقبُل الآخر، وفي المُقابل أيضاً عَمَدَ الكثير من أصحاب الأفكار الشاذة والغريبة على أبناء شعبنا المسلمين والعرب، إلى طرح أفكارٍ جلّها استفزازيّة واستهزائيّة بثوابت المجتمع الدينّية والوطنيّة، وهم يفتقدون لأدنى آداب الحوار والرقيّ، ثم يعكفون على كيل التهم للرادّين عليهم بالحجة والمنطق والأدب والإحترام، ذوداً عن الثوابت التي في الأصل هي التي تجعلُ منّا شعباً واحداً ذا حُلمٍ وطموحٍ واحد.
باختصار للأسف، إنّ مواقع التواصل وفّرت لكلّ النّاس، منبراً يتحدثون من خلاله ما شاءوا وأنّى شاءوا وبالطريقة الّتي يشاءون، واعتراضي حتماً ليس هضماً لحقوق النّاس في التعبير، إنّما واقعيّة، فليس كلُّ النّاس لديهم حقاً ما يُقال، وليسوا جميعهم أهلٌ لخطاب النّاس وطرح الأفكار، فكُلٌ مُيسرٌ لما خُلِقَ له.
[email protected]